لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم ؟. نتعرف على إجابة هذا السؤال من خلال السطور التالية التي نتعرض فيها لتسمية سورة البقرة، ونتطرق فيها إلى أسماء سورة البقرة، وتعريف سورة البقرة، وفضائل سورة البقرة، وملخص سورة البقرة، إضافة إلى التحليل اللغوي لاسم سورة البقرة، وورود هذا الاسم في سور القرآن الأخرى.
أسماء سورة البقرة
توجد أسماء قليلة لسورة البقرة، على النقيض من سورة الفاتحة التي ورد لها العديد من الأسماء، ومن أسماء سورة البقرة:
- سورة الفسطاط، وذلك لأنها جمعت من الأحكام ما ليس موجودا في غيرها (جلال الدين السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، الرياض، 1422هـ - 2001م، جـ 1، ص 155).
- سنام القرآن، والسنام هو أعلى الشيء (الإتقان، جـ 1، ص 155).
- سورة الكرسي؛ وذلك لأنها اشتملت على آية الكرسي (مجد الدين الفيروزاباداي: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق: محمد علي النجار، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف المصرية، القاهرة، 1416هـ - 1996م، جـ 1، ص 134).
- الزهراء؛ لأنها إحدى الزهراوين؛ البقرة وآل عمران (بصائر ذوي التمييز، جـ 1، ص 134).
تعريف سورة البقرة
هذه السورة مدنية، وهي أول سورة نزلت بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وتشتمل على مائتين وست وثمانين (286) آية، وذلك في أصح الروايات، وهي الرواية التي اعتمدها الكوفيون، وأما عدد كلماتها، فإنها ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون (6121) كلمة، وعدد حروفها خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة (25500) حرف.
وسورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم، ويبلغ عدد صفحاتها في المصحف ثماني وأربعين (48) صفحة، وتستغرق نحو جزأين ونصف الجزء من الكتاب الكريم.
وهذه السورة لها مكانة كبيرة في الإسلام، وتوجد العديد من الأحاديث النبوية التي تدلنا على فضائلها، فمن تمسك بها رافقته البركة وابتعدت عنه الحسرة، ولا يتغلب السحرة على من يلتزم بقراءتها، ومن قرأها فإن الشيطان لا يدخل بيته، ومن يتلوها وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة في صورة سحابتين تظلَّان صاحبهما.
مقاصد سورة البقرة
تتضمن السورة عددا من الموضوعات، منها ما يلي:
- مدح المؤمنين من أهل الكتاب.
- ذم الكفار والمنافقين.
- الرد على من ينكرون النبوة.
- قصة الخلق.
- قصة آدم عليه السلام.
- قصة موسى عليه السلام.
- لوم علماء اليهود.
- الحديث عن البقرة.
- قصة سليمان عليه السلام.
- قصة هاروت وماروت.
- الرد على أهل الكتاب.
- الحج والعمرة.
- القَصاص.
- صيام رمضان.
- الطلاق.
- الملك طالوت وقتل جالوت.
- إبراهيم عليه السلام.
- الحديث عن الدَّيْن، في أطول آية من القرآن الكريم (للمزيد، انظر: بصائر ذوي التمييز، جـ 1، ص 135).
لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم؟
سميت السورة بهذا الاسم؛ لأنها تضمنت القصة الواردة فيها، والتي تشير إلى حادثة قتل في زمن سيدنا موسى عليه السلام، حيث طلب اليهود منه أن يدلهم على القاتل، فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) {سورة البقرة– الآية 67)، وقد جاءت كلمة "بقرة" نكرة، وهو ما يدل على أن الله عز وجل لم يحدد بقرة بعينها لكي يذبحوها، وإنما ترك لهم حرية جلب أي بقرة لكي يضربوا القتيل بجزء منها فيخبرهم بمن قتله.
ولكن اليهود قابلوا ما أخبرهم به موسى عليه السلام بالاستهزاء، وطلبوا منه أن يحدد لهم البقرة المطلوب ذبحها، فأخبرهم بأنها متوسطة العمر، ليست بمُسِنة ولا صغيرة، وطلب منهم أن ينفذوا أمر ربهم، لكنهم واصلوا طرح الأسئلة، وطلبوا تحديد لونها، فأخبرهم أن لونها شديد الصُّفرة، فطلبوا منه المزيد من التحديد لأن الأمر اختلط عليهم، فأعلمهم بأنها بقرة لا تتعرض للإجهاد في الزراعة، فهي تحرث الأرض أحيانا وليس في كل الأوقات، ولكنها لا تسقي الحرث. وعندما توصلوا إلى هذه البقرة اضطروا إلى شرائها من صاحبها بثمن مرتفع، ثم ذبحوها وضربوا ببعضها القتيل، فنطق باسم القاتل.
وإذا سألنا أنفسنا: لماذا اختيرت "البقرة" لكي تكون اسما لهذه السورة الكريمة؟ أليس فيها موضوعات أخرى يمكن تسميتها بها؟ فقد تضمنت موضوعات مختلفة، مثل: الإيمان، آدم عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، موسى عليه السلام، شهر رمضان، الحج والعمرة، وغير ذلك.
ولكن بشيء من التفكر والتدبر، يمكن أن نصل إلى أن سبب التسمية هو الدلالة المستمدة منها، فليست العلة في "البقرة" نفسها بوصفها حيوانا، وإنما فيما تشير إليه القصة، من أن راحة البشر في الاستجابة لأمر الله، وعدم الجدال فيما يطلبه من عباده، فهو العليم الخبير الذي يهديهم لما فيه الخير لهم.
الدروس المستفادة من سورة البقرة
تذكرنا قصة "البقرة" بما ورد في سورة الفاتحة من الدعاء لله عز وجل بأن يهدينا الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو أقصر الطرق، وأسرعها للوصول إلى رب العباد، وهذا هو ما لم يفطن إليه اليهود، فقد أرشدهم الله إلى ذبح بقرة، وترك لهم حرية الاختيار، ولكنهم جادلوا وضيقوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فكانت التكلفة مرتفعة عليهم، فقد اشتروا البقرة بثمن باهظ، ولو استجابوا لربهم لما كانت هناك مشقة.
وتدلنا هذه القصة على أن توحيد الله عز وجل يجعل العبد يستجيب له ولا يجادل فيما يأمر به، ويسلم أمره لرب العزة سبحانه وتعالى؛ فيجلب لنفسه الراحة في الحياة الدنيا والعاقبة الحسنة في الآخرة.
وينبهنا الدكتور عبدالله شحاتة إلى أن "في قصة البقرة عبرة للمتشددين، فإن الله أمر بني إسرائيل بأن يذبحوا بقرة، فلو بادروا إلى ذبح أية بقرة لأجزأتهم، ولكنهم تشددوا في تعرف صفاتها، فكانوا كلما سألوا سؤالا زيدوا تشديدا، حتى صارت البقرة نادرة" (أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1976م، ص 13).
كلمة البقرة في القرآن الكريم
وردت كلمة البقرة ومشتقاتها في القرآن الكريم تسع (9) مرات في ثلاثة (3) أنواع، على النحو التالي:
- جاءت كلمة "بقرة" مفردة نكرة، في أربع (4) آيات، وردت جميعها في سورة البقرة، وذلك عند الحديث عن بقرة بني إسرائيل التي أمرهم الله بذبحها لكشف القاتل، وقد وردت الكلمة في المواضع التالية من السورة:
- (أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) {الآية 67}.
- (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ) {الآية 68}.
- (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا) {الآية 69}.
- (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ) {الآية 71}.
- وردت كلمة "البقر" مُعرَّفة في صيغة اسم الجنس الجمعي، وهو الذي تحذف منه التاء المربوطة، فيكون هذا هو الفرق بينه وبين المفرد. ونلاحظ- هنا- أن هذه الصيغة عامة تدل على جنس البقر عموما، دون تحديد.
وقد جاءت الكلمة بهذه الصيغة في ثلاثة (3) مواضع، منها موضع واحد في سورة البقرة، هو:
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) {الآية 70}.
وجاءت في موضعين في سورة الأنعام، هما:
- (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) {الآية 144}.
- (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) {الآية 146}.
- وردت في نكرة صيغة جمع المؤنث السالم "بقرات"، وذلك في موضعين في سورة يوسف، هما:
- (إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) {الآية 43}.
- (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) {الآية 46}.
وتدل الكلمة - هنا- على عدد قليل من البقر، ورغم أنها جاءت نكرة، إلا أنها أصبحت محددة وليست عامة، وذلك بالوصف بأنها "سِمان".