معنى "قِبلة الصلاة" في اللغة والقرآن الكريم
نتحدث في هذا المقال عن معنى كلمة "القِبلة" في اللغة العربية والقرآن الكريم، ونعنى بها وجهة المسلم عند أداء صلاته. ومن أهم الأحداث التي ارتبطت بها التحويل من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في العام الثاني لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلفت الآراء حول الشهر الذي جرى فيه بين أن يكون في رجب أو شعبان.
"القِبلة" في اللغة:
يدل المعنى الأصلي في اللغة على "الجهة". يشير معجم "لسان العرب" لابن منظور إلى أنه عندما تسأل: أين قِبلتك؟ فإنك تعنى: أين جِهتُك؟.
تعرضت كلمة "القِبلة" للتخصيص في الإسلام، مثلما حدث مع العديد من الكلمات الأخرى التي نقلت من الدلالة العامة التي تصلح لأي شيء، ومنها "الصلاة" التي تعنى في الأصل اللغوي "الدعاء"، ثم صارت تدل على الركن المعروف في الإسلام، والذي يتضمن الدعاء. وأيضا "الحج" الذي يعنى القصد إلى أي مكان، ثم خُصصت دلالتها لتعنى الاتجاه إلى مكة المكرمة لأداء هذه الشعيرة الإسلامية بأركانها المعروفة.
وهذا هو ما حدث- أيضا- مع كلمة "القِبلة" التي تدل في الأصل اللغوي على "الجهة" دون تحديد، ثم انتقلت من الدلالة العامة إلى الخاصة، لتدل على المكان الذي يتجه إليه المسلم عند صلاته، فحدث للكلمة تخصيص، بعد أن كانت عامة.
ويوضح معجم "تاج العروس" للزبيدي أن "القبلة" تعني في الأصل "الحالة التي عليها المقابل"، فما يقابلك هو في جهتك، ثم أصبحت معروفة بالمكان الذي يتوجه إليه المسلم في صلاته.
"القِبلة" في القرآن الكريم:
وردت كلمة القِبلة سبع (7) مرات في القرآن الكريم، منها أربع (4) مرات، جاءت فيها الكلمة دون أن تضاف إليها أي ضمائر؛ أي دون إضافات بعدها، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ (سورة البقرة – الآية 143)، وقوله عز وجل: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ (سورة البقرة – الآية 144)، وقوله: ﴿وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ (سورة البقرة – الآية 145)، وقوله: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ (سورة يونس – الآية 87).
وجاءت مضافة إلى ضمير المخاطب، أي "قِبلتك" في آية واحدة، هي قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ (سورة البقرة – الآية 145).
ووردت مضافة إلى ضمير الغائب الجمع، أي "قِبلتهم" في آيتين هما: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ (سورة البقرة – الآية 142)، وقوله: ﴿وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ (سورة البقرة – الآية 145).
"القِبلة" في كتب التفاسير:
أشار ابن جرير الطبري في كتابه "جامع البيان في تفسير القرآن" إلى أن قِبلة كل شيء: هي ما قابل وجهه، وأنك عندما تقول: قابلت فلانا، فإنك تعنى أنك صرت قُبـالته، وذلك عندما يقابل كل واحد منهما الآخر بوجهه. وأوضح فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" أو "التفسير الكبير" أن "قِبلة الصلاة" سميت بهذا الاسم؛ لأنها الجهة التي يستقبلها المسلم.
أوضح "الطبري" أن المشركين سيقولون عن المسلمين ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ (سورة البقرة – الآية 142)، ولذلك أمر الحق سبحانه بأن يرد النبي صلى الله عليه وسلم عندما يسألون عن تحويله القبلة، بأن يقول: {لِلَّهِ الـمَشْرقُ والـمَغْربُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ}.
تحويل القِبلة:
كانت قبلة المسلمين في الصلاة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، وكان قلب النبي صلى الله عليه وسلم معلقا بالبيت الحرام الذي بناه أبوه إبراهيم عليه السلام، ولذلك كان يجعل الكعبة أمامه، وعندما هاجر إلى المدينة المنورة، لم يستطع فعل هذا؛ لأن المسجد الحرام لن يكون أمامه أثناء اتجاهه إلى "الأقصى" في المدينة، ولذلك كان- صلى الله عليه وسلم- يقلب بصره في السماء، راجيا من ربه أن يجعل قبلته إلى المسجد الحرام الذي يتعلق به قلبه، واستجاب له ربه عز وجل، وكان ذلك في شهر رجب أو شعبان من العام الثاني للهجرة النبوية المشرَّفة.
وأخبرنا البراء بن عازب في الحديث الذي رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد صلى ناحية بيت المقدس نحو ستة عشر أو سبعة عشر شهرا.