لماذا كتبت "رحمت" و"نعمت" بالتاء المفتوحة في القرآن؟
توجد كلمات في القرآن الكريم، جاءت بالتاء المربوطة دلالة على التأنيث، لكنها نفسها تأتي أحيانا مفتوحة، ويبلغ عددها ثلاث عشرة، هي: رحمت، ونعمت، وسنت، وامرأت، وابنت، ولعنت، وشجرت، وجنت، ومعصيت، وفطرت، وقُرت، وبقيت، وكلمت. وقد حدث الاختلاف فيها عن الأصل؛ لأسرار تتعلق بـ "الرسم العثماني". ونعرض فيما يلي لهذا الأمر.
"رحمة الله" مربوطة التاء:
جاءت بهذه الصورة اثنتين وسبعين (72) مرة في الكتاب العزيز، وعندما تأتي نكرة، تكون ذات دلالة عامة شاملة لجميع الخلق، ومنها:﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ (الزمر: ٥٣). كما تشير إلى أنها لم تقع بعد، كما في: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (آل عمران: ١٠٧)، وتعني في هذه الآية الجنة، وهي مؤجلة وستكون في الآخرة.
"رحمت الله" مفتوحة التاء:
تأتي الكلمة بهذه الصورة عندما تكون خاصة بالبعض، وليس جميع الناس. وقد جاءت هكذا سبع (7) مرات، كما في قوله تعالى:﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ (هود: ٧٣).
"نعمة" مربوطة التاء:
تأتي كلمة بهذه الصورة في القرآن الكريم، عندما تكون دالة على النعمة العامة التي تشمل الجميع، كما في قوله تعالى:﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (البقرة: ٢١١).
"نعمت" مفتوحة التاء:
جاءت هكذا إحدى عشرة (11) مرة، للإشارة إلى ما هو خاصة ببعض الأقوام، كما في الآية: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ (سورة المائدة: ١١)، وهي هنا ما حل بالمؤمنين عندما نجاهم الله سبحانه وتعالى من أذى المشركين.
"سُنَّة" مربوطة التاء:
تأتي بهذه الصورة، دالة على القوانين الإلهية الثابتة على مر الدهور، ومنها عقاب الكافرين بالمولى عز وجل، قال تعالى: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب –62).
"سُنَّت" مفتوحة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة خمس (5) مرات في القرآن الكريم؛ لتدل على الانتقام العاجل من الله عز وجل، بحلول عقابه على من يصرون على الكفر وعدم الإيمان بالله عز وجل، كما في قوله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ (غافر- 85).
"امرأة" مربوطة التاء:
عندما تأتي الكلمة بهذه الصورة في القرآن الكريم، فإنها تحمل دلالة عامة، لا تقتصر على واحدة من النساء بعينها، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ (النساء: ١٢٨).
"امرأت" مفتوحة التاء:
أتت الكلمة بهذه الصورة في (7) مواضع، للدلالة على أنثى معينة، وجاءت مضافة إلى (5) نساء، هن زوجات: فرعون، ونوح، ولوط، والعزيز، والخامسة في قوله عز وجل: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾ (سورة آل عمران: ٣٥).
"ابنة" مربوطة التاء:
لم تأت الكلمة هكذا في القرآن الكريم.
"ابنت" مفتوحة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة مرة واحدة في القرآن الكريم، دالة على والدة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام، وذلك في قوله تعالى:﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ (التحريم: ١٢). وقد أشار الدكتور عبدالعظيم المطعني في كتابه "لطائف وأسرار خصوصيات الرسم العثماني للمصحف الشريف" إلى أن كلمة "ابنت" عوملت معاملة "امرأت" مفتوحة التاء، وكان الرجل الذي أضيفت إليه هو أبوها. وأوضح أن سبب فتح التاء في الأولى هو إنجاب عيسى عليه السلام.
"لعنة" مربوطة التاء:
عندما تأتي الكلمة بهذه الصورة في القرآن الكريم، فإنها تكون عامة، أي لا تخص أشخاصا بأعينهم، كما في قوله تعالى عن الكفار: ﴿أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (البقرة: ١٦١).
"لعنت" مفتوحة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة مرتين في القرآن الكريم، للدلالة الخاصة، ومنها ما جاء في آية اللعان بين الزوجين، في قوله تعالى: ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (النور: ٧). فالشخص الذي يتهم امرأته بالزنا، ولم يكن هناك شهود على الواقعة غيره، فإنه يقر أربع مرات بالله بأنه رآها تزني، وفي المرة الخامسة يقسم بالله أن تحل عليه اللعنة، وهنا تنزل عليه العقوبة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة.
"شجرة" مربوطة التاء:
تأتي الكلمة بهذه الصورة في القرآن الكريم، عندما تكون عامة، ففي قوله تعالى:﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات: الآية ٦4). هذا وصف لشجرة الزقوم، وأنها ستكون فتنة لعامة الظالمين، وليس لنوع بعينه منهم.
"شجرت" مفتوحة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة مرة واحدة في القرآن الكريم، وذلك عند حديثه عن أن الشجرة السابقة ستكون طعاما لنوع خاص من الناس، هم "الآثمون"، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الأثيم﴾ (الدخان: ٤٣ – ٤٤).
"جَنَّة" مربوطة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة في القرآن الكريم؛ للدلالة لأنه سيدخلها المؤمنون عامة، كما في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ (الشعراء: ٨٥).
"جَنَّت" مفتوحة التاء:
أتت الكلمة بهذه الصورة مرة واحدة في القرآن الكريم للدلالة الخاصة، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ (الواقعة: ٨٨ – ٨٩). وقد فتحت هنا؛ لأنها تدل على نوع محدد، هو الذي ينعم به المقربون من عباد الله المؤمنين.
"معصية" مربوطة التاء:
لم تأت في القرآن الكريم.
"معصيت" مفتوحة التاء:
وردت الكلمة بهذه الصورة مرتين في الكتاب الكريم، في آيتين متتاليتين من سورة المجادلة، للدلالة على وقوع المعصية من المنافقين للرسول، ونهي المؤمنين عن أن تقع منهم المعصية للرسول صلى الله عليه وسلم، الأولى هي: ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾(8).
والثانية: ﴿فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ (٩). فقد عصى المنافقون الرسول من المنافقين عندما يسرون الحديث فيما بينهم، ونهى الله عز وجل المؤمنين عن أن يقع منهم هذا الفعل.
"فطرة" مربوطة التاء:
لم تأت في القرآن الكريم.
"فطرت" مفتوحة التاء:
جاءت الكلمة بهذه الصورة مرة واحدة في الكتاب؛ للتأكيد على الفطرة الموجودة في الإنسان بالفعل، والتي يولد بها. والآية التي وردت فيها، هي قوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: ٣٠).
"قُرَّة" مربوطة التاء:
تدل الكلمة على السرور، وقد وردت مرتين في القرآن الكريم، بصورة مختلفة. وعندما جاءت بالتاء المربوطة فإنها تشير إلى أن هذه السعادة لم تحدث بعد، كما في: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ (الفرقان: ٧٤). ففي هذا الدعاء يتوجه المؤمنون إلى الله عز وجل، ليرزقهم أبناء وحفدة صالحي لكي يدخلوا عليهم السرور. وهنا، نجد أن السعادة لم تتحقق بعد، وإنما ستحدث عندما يرزقون بهذه الذرية.
"قُرَّت" مفتوحة التاء:
وردت الكلمة بهذه الصورة على لسان امرأة فرعون؛ للدلالة على السرور المتحقق بالفعل في الواقع، بوجود سيدنا موسى عليه السلام أمام عينيها عندما كان طفلا رضيعا، ترى فيه مصدر سعادة لها ولزوجها فرعون، كما في: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ (القصص: ٩).
"بَقِيَّة" مربوطة التاء:
جاءت الكلمة في قوله تعالى: ﴿وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ﴾ (البقرة: ٢٤٨). وقد أتت بهذه الصورة للدلالة على أن ما يخص آل موسى وآل هارون، ليس بالكثير.
"بَقِيَّت" مربوطة التاء:
وردت بهذه الصورة في قوله على لسان نبي الله شعيب عليه السلام مخاطبا قومه: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (هود: الآية ٨٦). للدلالة الربح الحلال الذي يبارك فيه الله عز وجل، ويجعل فيه اتساعا، عند عدم أكل أموال الناس بالباطل.
"كلمة" مربوطة التاء:
تأتي بهذه الصورة عندما تكون غير مضافة، كما في الآية: ﴿إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ (آل عمران: ٤٥)، فهذا النبي استحق أن يكون هكذا؛ لأن الله خلقه بقوله: "كن".
وأما عندما تأتي مضافة، فإن دلالتها تكون عامة، كما في: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ (يونس: ١٩). فقد أخر الله القضاء بين الناس إلى يوم القيامة.
"كلمت" مفتوحة التاء:
عندما تكون بهذه الصورة، فإنها تدل على حالة خاصة، أو قوم بأعينهم، كما في قوله تعالى عن بني إسرائيل:﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ﴾ (الأعراف: ١٣٧).
خاتمة:
هكذا نتبين أن رسم الكلمات في القرآن الكريم له دلالات معينة، فلا توجد كلمة جاءت في كتاب الله عز وجل عبثا، وإنما كل كلمة في موضعها، وبدلالتها الدقيقة التي تدل على أنها من حكيم خبير، فسبحان الله رب العالمين.