أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

انتشار العامية في الكتابة على حساب اللغة العربية الفصحى

ظاهرة انتشار الكتابة بالعامية في الإنترنت بين الشباب بدلا من الفصحى تحتاج إلى دراسة

انتشار العامية في الكتابة على حساب اللغة العربية الفصحى

    انتشرت الكتابة بالعامية انتشارا ملحوظا على حساب اللغة العربية الفصحى في السنوات الأخيرة، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي من الأسباب القوية في لجوء الشباب إلى استخدام العامية في المحادثات بدلا من الفصحى، ويرجع السبب إلى عدم امتلاك الشباب مهارات اللغة العربية، لضعف الاهتمام بهذه اللغة في مراحل التعليم، رغم أنها اللغة الأم لجميع سكان الوطن العربي.

ارتباط انتشار العامية بضعف الثروة اللغوية:


    يمكن إرجاع استخدام العامية في الكتابة لدى كثير من الشباب إلى قلة محصولهم من الثروة اللغوية، ما يجعلهم غير قادرين على الاستمرار في الكتابة بالفصحى؛ لأنهم لم يتدربوا عليها في مدارسهم وفي حياتهم اليومية، وأما العامية فإنهم يتحدثون بها ليلا ونهارا في قضاء حوائجهم والتواصل بها مع الآخرين، ولذلك لم يكن أمامهم إلا أن يستعيروها للكتابة بها، ففي الأصل ليست العامية لغة للكتابة، وإنما لغة للحديث اليومي في المواقف الحياتية العادية.

    ولو أن الشباب تدربوا على استخدام الفصحى تدربا جيدا وتذوقوا جمالها لكانت خيارهم الأول والوحيد في الكتابة، ولما احتاجوا إلى العامية في التعبير عن أنفسهم. والحقيقة، أن هناك تقصيرا شديدا من جانب المعلمين– وكذلك المناهج الدراسية– في تحويل الفصحى إلى "مَلَكة" لدى الطلاب يستطيعون استخدامها في أي وقت، وكان يمكن الوصول إلى هذا من خلال إتاحة الفرصة للطلاب في إطلاق ألسنتهم للتعبير عما في نفوسهم بالفصحى من خلال الفصول الدراسية، إضافة إلى تصويب أخطائهم أثناء الكتابة.


إهمال المعلمين تنمية مهارات اللغة العربية الفصحى:


    اعتاد المعلمون على التعامل مع اللغة العربية كأي مادة دراسية أخرى في إيصالها إلى الطلاب عن طريق الشرح، وليس الحوار ومنحهم الفرصة للتعبير نطقا وكتابة وتنمية هذا الجانب لديهم، وهو ما يؤدي إلى نقص الثروة اللغوية لدى الطلاب؛ لأن طريقة الشرح تكون نتيجتها أن فرصة اكتساب المفردات تكون محدودة أو معدومة، ولا يستطيعون استحضارها عند الحاجة (د. أحمد محمد المعتوق: "الحصيلة اللغوية" .. أهميتها – مصادرها – وسائل تنميتها، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 1996م، ص 18).

انتقال عدوى الكتابة بالعامية إلى لغة الإعلانات:


    انتقلت عدوى الكتابة بالعامية إلى لغة الإعلانات، وقد كانت– من قبل– تكتب بالفصحى الراقية الجميلة التي توصل رسالة مباشرة إلى المستهلك بصيغة تحمل البلاغة والبساطة معا. ويمكن الاطلاع على نماذج من هذه اللغة من خلال العودة إلى المجلات القديمة، ومنها مجلة الكواكب المصرية بتاريخ 4 مايو 1954، وتحوي نماذج منها:

- الوجه السينمائي الجديد عايدة، تقول:

إنني أحافظ على مواعيدي جيدا وأستمتع ببرامج الإذاعة الساحرة لاقتنائي ساعة فاخرة وراديو

من معروضات "سودفونك" الألماني.

- اليوم يبدأ شهر رمضان المبارك

ولهذه المناسبة السعيدة قررت

إدارة شركة الدجوي

إلغاء المقدم

على الإطلاق

وتبسيط نظام التقسيط

اشتر اليوم لرمضان

· راديو

· ماكينة خياطة

· فرن

· ثلاجة

· ساعة

· نجف

ادفع الثمن كله على أقساط مريحة من 12 – 18 شهرا حسب ميزايتك

بدون دفع أي مقدم على الإطلاق.

- مفاجأة الموسم

ساعات دي لوكس

تقدم الموديل الجديد

عايدة

رائعة في مظهرها

متينة في صناعتها

تطلب من محلات الساعات المشهورة.

- كوني فاتنة

بكحل فيري.

- إسماعيل

حلويات ممتازة

في علب أنيقة.

- بلنداكس

كريم الحلاقة المركب من

أطهر وأنقى المواد والمصنوع

في أحدث وأعظم

المعامل الألمانية

رائحته زكية منعشة

ورغوته ناعمة لا تجف

استعمله كل صباح

لتظل منشرحا طوال اليوم

يباع في جميع الصيدليات والمحلات الكبرى.

- بمناسبة شهر رمضان المبارك

مجموعة فريدة

من

مبتكرات فصل الصيف

للرجال

للسيدات

للأطفال

بمحلات عمر أفندي.

- لم أدفع سوى 3 جنيهات "قيمة القسط الأول"

ثم حصلت على ماكينة الخياطة المشهورة

بورليتي

ماكينة الخياطة "بورليتي"

متينة. سريعة. أنيقة. لا تحدث أي صوت

صممت خصيصا لتتفق مع رغباتكم.

- راديو شوب

الجهاز المفضل الذي ينقل إليك

سهرات رمضان الساحرة بوضوح.

- كحل فيري

يضفي عليك الروعة ويلفت إليك الأنظار.

- ماء الكولونيا

سرفين

يكسبك سحرا

ويزيدك إغراء.

- فير

القوة الخارقة

والنعومة الدافقة

أجود وأفخم ماكينات الخياطة بأبسط التقسيط.

- لقد أوشك أن يهل هلال رمضان

حيث تذاع أجمل وأبهج البرامج فتمتع بسماعها بشرائك جهاز

راديو فيليبس

فهو يضمن لك استقبالا

رائعا ومتعة كاملة.

    ومن الملاحظ أن لغة هذه الإعلانات تتميز بالبساطة، والجمل القصيرة، وبلاغة توصيل الكثير من المعاني في عدد قليل من السطور، مع الحرص على سحر اللغة التي تستهدف الوصول إلى الجمهور بأقل عدد من الكلمات.

استخدام العامية في لغة الإعلانات الحديثة:


أما اليوم فتغلب العامية بصورة واضحة على الإعلانات. ونعرض فيما يلي نماذج من شبكة الإنترنت لإعلانات المؤسسات والشركات في مصر:

- مؤسسة مصر الخير

سَكن ودَفا

هنوصل الدفا لـ 100 أسرة كل يوم

150 جنيه للحاف

تبرع الآن (موقع اليوم السابع).

- أورنج كاش

السحب والإيداع على أورنج كاش

دلوقتي من خلال ماكينات الصرف الآلي (موقع شركة أورنج مصر- ولاحظ: كلمة "دلوقتي" هي الكلمة العامية الوحيدة في هذا الإعلان الخاص بإحدى شركات تقديم الخدمة عبر التليفون المحمول، وكان يمكن أن يستبدل بها كلمة "الآن" ليسير الإعلان في إطار العربية الفصحى).

- فودافون:

اتحكم في حسابك

في أي وقت

وفي أي مكان

دلوقتي مع تطبيق أنا فودافون (موقع شركة فودافون- مصر).

انتقال عدوى العامية إلى الخطاب الحكومي:


    ومن أسف، أن استخدام العامية في مواقع التواصل الاجتماعي، انتقل وزحف إلى مناطق أخرى كان من الصعب أن تصل إليها، ومن أهمها وأخطرها لغة الإدارة، فقد انتشرت عدوى العامية في الخطاب الحكومي الموجه للجمهور، في محاولة للتقرب من هذا الجمهور، وهذا موجود بصورة واضحة في لغة الإعلانات التليفزيونية، فقد لجأت الجهات الحكومية إلى استخدام العامية في هذه الإعلانات، ظنا منها أنها بهذه الطريقة تتقرب من الجمهور وتصل إليه بسهولة، وكأن الجمهور طفل صغير لا يفهم الفصحى، بل إن الطفل يفهم الفصحى بصورة كبيرة عندما يتعود على سماعها والقراءة والكتابة والقراءة بها.

الفصحى للمستوى الرفيع والعامية للمعاملات اليومية:


    ليس معنى الاهتمام بالفصحى أن نحاول إلغاء العامية من الاستخدام اليومي، فهذا شيء مستحيل وغير منطقي، والصحيح هو وضعها في إطارها المنضبط، وعدم السماح بأن تزحزح المستوى الفصيح عن مواقعه لتحل مكانه.

    ولسنا في هذا بدعا من الأمم، فكل الشعوب لديها مستوى رفيع من اللغة تتعامل به في مواقف معينة، وآخر عامي يكون محلا للمعاملات اليومية العادية. والواقع أن اللغات جميعا "في القديم والحديث، وفي كل أرجاء الأرض، قابلة للتغيُّر، والتفكك إلى أنماط كلامية مختلفة. ولكن الأقوام المتحضرين، في مثل هذه الحالة، يجهدون ويكدون في سبيل المحافظة على اللغة العامة (الأصلية)، بُغية الإبقاء على لغة تجمع شتاتهم وتعكس ذاتهم وتحافظ على قوميتهم. إنهم يفعلون هذا وهم يدركون أن العاميات موجودة، وأن لها دورا مهما في بيئاتها الخاصة، ولا يمكن القضاء عليها قضاء تاما بحال. إنما الممكن هو العمل على تهذيبها وصقلها ومحاولة تقريبها من اللسان الأصلي العام. وذلك سبيله النظر بإخلاص إلى تلك العوامل التي من شأنها أن تصنع هذا الصنع، فيعملوا على إزاحتها والتخلص منها، والتي من شأنها – أيضا – أن تحمي اللغة العامة من التفكك والانهيار" (د. كمال بشر: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، دار غريب، القاهرة، 1999م، ص 262).


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-