أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

عام الحزن .. كيف تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أيامه؟

 

عام الحزن .. كيف تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أيامه؟


عام الحزن .. كيف تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أيامه؟

نتحدث في هذا المقال عن أيام صعبة عاشها النبي صلى الله عليه وسلم، وسميت السنة التي وقعت فيها عام الحزن، وهو الذي توفيت فيه زوجه خديجة بنت خويلد وعمه أبو طالب بن عبدالمطلب. وجاءت رحلة الإسراء والمعراج بعد هذه الأيام الصعبة؛ لتكون تخفيفا عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتقوية له في مواجهة المشاق التي يتعرض لها في الحياة، لنستفيد من السيرة النبوية الشريفة الصبر في مواجهة المحن، مع اليقين بأن مع العسر يسرا.

الأيام الصعبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، إذ لم ينعم برغد العيش، وإنما كانت حياته تملؤها المشقة، لا يبالي بما يلاقي من متاعب، فقد كان هدفه الأول رضا حبيبه ربِّ العزة عز وجل.


الأيام الصعبة بعد جهر النبي بالدعوة:

    كانت المحن تتوالى على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، ومعه المؤمنون الذين أخلصوا دينهم لله عز وجل، خاصة بعد أن جهر بالدعوة إلى الإسلام، استجابة لأمر الله عز وجل بإنذار عشيرته الأقربين.

    لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم من زعماء قريش؛ أهل الغلظة، إلا الإعراض والتكذيب؛ لأنهم لم يكونوا مستعدين للتخلي عن مكاسبهم التي يجنونها من عبادة الأوثان ومجيء العرب إلى مكة من أجلها ومن أجل التجارة معهم، وهو ما أصابه بالحزن لعدم إقبال قومه لما دعاهم إليه، ولذلك واساه الله عز وجل بقوله: ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ (سورة الأنعام- الآية ٣٣).

    ومنذ ذلك اليوم، أعلنت قريش الحرب على المسلمين، ومارست ضدهم كل أنواع التعذيب. وممن ذاقوا العذاب أسرة عمار بن ياسر الذي مات أبوه أثناء التعذيب، وقُتلت أمه "سمية" على يد أبي جهل، وبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.


قريش تحاصر النبي والمسلمين في أيام صعبة:

لم تفلح زيادة موجات التعذيب القريشية في الحد من انتشار نور الإسلام في القلوب وزيادة عدد المسلمين يوما بعد يوم. ولما فشل التعذيب في زحزحة الإيمان عن قلوب المؤمنين لجأت قريش إلى سلاح الحصار والتجويع، فعلقوا صحيفة في الكعبة، تعاهدوا فيها على عدم البيع والشراء بينهم وبين المسلمين، وألا يزوجوهم أو يتزوجوا منهم، وحاصروا المسلمين، ومعهم بنو عبدالمطلب ما عدا أبا لهب، في شعب بني هاشم، لا يجدون من يبيع لهم الطعام، حتى هزلت الأجساد، وكاد الأطفال يموتون من الجوع.

لم تقف الأزمة عند هذا الحد، وإنما عملت قريش على تحريض القبائل على النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمنوا به، حتى لا يتبعوه، وطلبوا منهم أن يرفعوا سعر ما يطلبه منهم المسلمون من غذاء لكي لا يستطيعوا شراءه. ولأن المصالح هي التي تجمع بين الطرفين، فقد كانت القبائل تستجيب لطلب زعماء قريش الذين كانوا يشترون هذه السلع من التجار بأعلى من سعرها.


فض الحصار عن النبي والمسلمين:

عندما لانت قلوب بعض القريشيين لِما وصل إليه حال أبناء جلدتهم، وعزموا على تمزيق الصحيفة، وجدوا معجزة لم تكن في الحسبان، هي أن حشرة الأَرَضة قد أكلتها، ولم يبق منها إلا عبارة "باسمك اللهم"، لينفض الحصار عن المسلمين بعد ثلاث سنوات من التضييق، وجدوا فيها أشد أنواع غلظة القلوب من القرشيين، إلا من البعض القليل الذين لم تحتمل قلوبهم وإنسانيتهم ما رأوا، فكانوا يساعدون المسلمين سرا دون أن يعرف الآخرون ما يفعلونه.


الحزن على وفاة زوج النبي وعمه:

بعد فترة قليلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم، مع اختبار جديد، لكنه أشد، فقد ماتت زوجه خديجة، ثم عمه أبو طالب، في سنة سميت "عام الحزن". وكأن الله عز وجل أراد أن ينزع عن النبي صلى الله عليه وسلم من يستند إليه من البشر، حتى لا يكون له سند إلا الله عز وجل، فقد كانت خديجة السند المعنوي تواسيه وتسانده معنويا، وكان أبو طالب السند الجسدي يحميه من أذى قريش، ويقف سدا منيعا دون اقترابهم منه، لكن الله عز وجل نزع عن النبي صلى الله عليه وسلم العون الجسدي والمعنوي من البشر، لكي لا يكون نصره مستمدا من البشر، وإنما من رب البشر، يؤيده ويقويه ويحميه وينشر دعوته بين العالمين.


النبي في الطائف:

لما ازداد أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يتوجه بالدعوة إلى قوم آخرين، فذهب إلى الطائف القريبة من مكة، حيث ثقيف، والتقى ثلاثة من سادتهم، هم: عبد يالَيْل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير بن عوف، ولكنهم قابلوا دعوته بالنكران والجحود وأشد أنواع الأذى، ما جعله أصعب يوم في حياته صلى الله عليه وسلم، حيث سلطوا عليه صبيانهم فقذفوه بالحجارة، حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين صلى الله عليه وسلم.

ولم يتوقف الإيذاء إلا عند مرور النبي صلى الله عليه وسلم ببستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة اللذين يرتبط معهما بعلاقة قرابة، فصرفا عنه هؤلاء الصبيان، وأمرا غلاما لهما يدعى "عداس" أن يذهب إليه بقِطف من العنب.


الرسول يتحدث عن الأيام الصعبة:

عَبَّر النبي عليه الصلاة والسلام عن الألم الذي لاقاه في الطائف، في حديث للسيدة عائشة رضي الله عنها، إذ كانت جالسة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فطرأ على ذهنها أن تسأله عن أصعب يوم مَرَّ به في حياته، فقالت له: "يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟"، فقص عليها ما لاقاه من مصاعب وإيلام للنفس أثناء رحلته إلى الطائف، وذلك في الحديث الذي رواه "البخاري".

 

الرسول يرفض تعذيب قومه:

رغم كل ما حدث في الطائف، ومن قبله في مكة، رفض النبي صلى الله عليه وسلم، تعذيب قومه، بأن يهدم عليهم ملك الجبال الأخشبين اللذين تقع بينهما مساكن قريش، وقد فعل هذا وهو ينظر إلى المستقبل، أملا في أن يكون أبناؤهم هم الشعلة التي تحمل الإسلام إلى العالم.


درس من حياة النبي:

    في حياة النبي صلى الله عليه وسلم درس عظيم للمسلمين، عليهم أن يستوعبوه، وأن يكون أمام عيونهم يستمدون منه القوة، ففي نهاية حياته صلى الله عليه وسلم كان الإسلام  قد انتشر بين كثير من القبائل العربية التي دخلت في دين الله أفواجا، وكان هذا الدين العظيم على موعد مع الانتشار خارج الأرض العربية، وهو ما حدث في حياة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم.

    هذا النجاح الكبير في نشر الدعوة في بقاع الأرض في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته، لم يصل إليه إلا بجهد كبير وحياة شاقة، لكنه في النهاية أتى بثماره، وهو ما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بداية الدعوة أثناء تعرضهم للتعذيب من كفار قريش، عندما شكا بعضهم إلى النبي ما يتعرضون له من آلام، وطلبوا منه أن يدعو الله عز وجل أن يخفف عنهم، فقال لهم: "واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" (رواه البخاري).

    وهكذا، نتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم العمل الجاد دون تعجل جني الثمرات، وأن يكون هذا مصحوبا بالإخلاص وتحمل المشقة، مع اليقين بأن الحق سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-