أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

الضعف اللغوي وإهمال اللغة العربية .. فُقدان للثقة بالنفس

يعاني كثير من الشباب العرب من الضعف اللغوي في اللغة العربية


الضعف اللغوي وإهمال اللغة العربية .. فُقدان للثقة بالنفس


    تعاني اللغة العربية من الإهمال والنكران، وقد أصبحت غريبة بين أهلها، يعانون من الضعف اللغوي، ويتعاملون معها كأنها أجنبية، ويتناسون أنها اللغة الأم التي تمثل امتدادا لآبائهم وأجدادهم، ولا يقبلون على قواعدها التي تعد أهم أدواتها ومفتاح إتقانها. يشعرون بالخزي حينما ينطقون بها، ولذلك يستخدمون عبارات بالإنجليزية وسط كلامهم؛ متوهمين بهذا أنهم يتخلصون من التخلف، والنتيجة هي أنهم يعانون من فقدان الثقة بالنفس.

فقدان الثقة بالنفس:


    لا يقف فقدان الثقة بالنفس تجاه اللغة العربية عند أصحاب المستويات العالية من التعليم، وإنما تمتد عدواه إلى من نالوا قدرا أقل، فنجد بعض أرباب المهن يستخدمون كلمات إنجليزية عادية لها مقابل شائع مستقر لها في اللغة العربية؛ مثل قولهم "one" بدلا من "واحد".

    والواقع أن كراهية اللغة دليل على كراهية الذات، وعلى الشعور بالدونية، ويمكن تفسير هذا الموقف بأن اللغة مدخل إلى الفكر، وأنه عندما ننظر إلى لغتنا باحتقار، فإن هذا يعني أننا نحتقر أنفسنا، ونزداد شعورا بالدونية والوصول إلى حالة رديئة، وينبه إلى أن "التصريح بالعداء لهذه اللغة قد يبدو جزءا من مؤامرة رخيصة نشارك فيها بغباء وجهل للنيل منها، فهل رأيتم مثقفا واعيا ينال من نفسه؟" (د. عبدالله التطاوي: حول اللغة العربية والسياق الثقافي، دار الثقافة، القاهرة، 2002م، ص 60).


اللغة العربية أطول اللغات الحية عمرا:


    يأتي هذا النكران للغة العربية، رغم أنها أطول اللغات الحية عمرا، وأنها من أثرى اللغات العالمية، فلا توجد لغة في العالم حققت الاستمرار لقرون طويلة مثل لغتنا التي وصلت إلينا في صورة قوية، تمثلت في الشعر الجاهلي، وامتدت عبر عصور صدر الإسلام والأموي والعباسي، وما بعد ذلك، وصولا إلى العصر الحديث.

    ومن يقرأ نصوصا بالعربية من عصورها المختلفة لا يشعر بأنها مختلفة عما يُكتب في وقتنا الراهن، فهي لم تتغير تغيرا كاملا مثل بعض اللغات الأخرى، وأقربها الإنجليزية التي تختلف صورتها القديمة عن صورتها الحديثة.

اللغة مثل الكائن الحي:


    تحتاج اللغة إلى عناصر للنمو والاستمرار، وبدونها تموت. ولهذا يجب تعهدها، وتجديد كلماتها، بإحياء كلمات قديمة لم تكن مستعملة، وإضافة معانٍ جديدة إلى المعجم اللغوي، لتزداد ثراء وتكون أوفر حظا في المنافسة مع اللغات الأخرى على الساحة الدولية.

    وهكذا نتعامل مع اللغة كما يتعامل الفلاح مع الزرع؛ يتعهده بالرعاية عن طريق الري بالماء والتغذية بالسماد وتوفير البيئة الملائمة لنموه وازدهاره، وكذلك لغتنا تحتاج إلى من يرعاها ويعتني بها ويحافظ عليها، حيث إنها "لا تموت أو تحيا بنفسها. وإنما تسير نحو هذا الاتجاه أو ذاك بعوامل خارجية... ... ... وهي قادرة على هضم كل ما يقدم لها، بل تزيده عمقا وتوليدا، وتفرز منه جديدا يزيد البناء قوة وتماسكا، وتجمِّله بألوان تناسب الزمان والمكان اللذين ينتظمان العملية المعقدة" (د. كمال بشر: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، دار غريب، القاهرة، 1999م، ص 249 و250).

الأمم القوية لا تتخلى عن اللغة القومية:


    لا تتخلى الأمم القوية عن اللغة القومية لتحل محلها لغات أخرى، وإنما يحدث هذا فقط لدى الأمم التي أصيبت بفقدان الثقة في نفسها، وبالتالي في لغتها، نتيجة إحساسها الداخلي بالهزيمة الحضارية وعدم القدرة على الخروج من دائرة التخلف، ولذلك لم يكن أمامها سوى التعلق الزائف بأذيال الأمم المتقدمة، وهو تصرف يدل على خداع النفس، ولا يأتي إلا بنتائج كارثية، إذ تزداد الأمة تخلفا، وتتسع مساحة عدم الثقة بالنفس، على عكس الأمم التي تعتز بلغتها وحضارتها القديمة.

    واللغة والحضارة يمثلان دافعا للخروج من التخلف واللحاق بركب التقدم، ومن هذه الأمم اليابان التي "تعمل على ترجمة نتاج الفكر العلمي الغربي إلى اليابانية أولا بأول، دون أن تضحي بلغتها الوطنية رمز وحدتها وهويتها وقوتها، وأمكن لها بذلك مسايرة علوم العصر، بل والتفوق في مجالاته المختلفة". (د. أحمد أبو زيد: هوية الثقافة العربية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م، ص 391 و392).

الضعف اللغوي في الوطن العربي:


    يعاني الكثير من الخريجين في الوطن العربي من الضعف اللغوي رغم قضائهم فترة طويلة في التعليم، تستغرق نحو 14 عاما في التعليم قبل الجامعي. ويمتد هذا، ليصل إلى خريجي كليات وأقسام اللغة العربية، مما ينعكس بالتالي على طلاب التعليم العام الذين يتولى هؤلاء التدريس لهم، وكذلك على لغة الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي بالتدهور.

    وإصلاح الوضع الحالي ممكن، إذا ما توفرت الرغبة من الجميع في النهوض بالعربية التي تعد أقدم لغة حية على وجه الأرض، فقد استمرت لقرون طويلة، مرت خلالها بفترات من الازدهار وأخرى من الضعف، وما زالت قادرة على الصمود والنهوض من كبوتها إذا عمل أبناؤها على الرقي بها وتطويرها، لتكون معبرة عن روح العصر، ومواكبة للمستجدات في الحياة اليومية للناس.

    وبالتخطيط السليم والعمل الجاد، يمكن إزالة مظاهر الضعف على الألسنة وفي كتابات المنتمين إلى اللغة العربية التي شرفها الله عز وجل بأن أنزل بها آخر كتبه إلى أهل الأرض، وأرسل لهم أفصح العرب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسمَّى كتابه القرآن؛ ليكون مقروءا إلى يوم القيامة وتعهد بحفظه عندما قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-