أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اللغة العربية

أثرت وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرا كبيرا على اللغة العربية

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اللغة العربية

    أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على اللغة العربية بصورة كبيرة، حيث يعاني الشباب من إدمان السوشيال ميديا، وهم الأكثر استخداما لبرامج التواصل الاجتماعي، ولعدم امتلاكهم مهارات اللغة العربية، فإنهم يتخلون عن الكتابة بالفصحى، ويلجأون إلى الكتابة بالعامية، ومع الوقت لا يستطيعون كتابة جمل من اللغة العربية الفصحى. ولا يتذكر الشباب ما تعلموه في دروس العربية عند استخدامهم تطبيقات التواصل الاجتماعي.


وسائل التواصل بين الناس في الماضي:


    قديما، كان الناس يتبادلون الرسائل المرسلة عبر وسيلتين هما: الحمام الزاجل والبريد الذي ينقل عبر الجياد. وفي العصر الحديث، تقدمت وسائل المواصلات، فجرى استخدام البواخر والقطارات والطائرات في نقل الرسائل. ثم كانت الطفرة الهائلة، مع اختراع البريد الإلكتروني الذي جعل الإنسان قادرا على نقل رسالة إلى آخر عبر ضغطة زر في لمح البصر، ولو كان في أبعد نقطة من الكرة الأرضية.

وسائل التواصل الحديثة:


    واصلت شبكة الإنترنت قفزاتها في الألفية الثالثة للميلاد، لتفاجئنا بوسائل جديدة للتواصل الاجتماعي تسمح باجتماع عدد كبير من البشر في مكان واحد، بشرط واحد هو اتصالهم بالشبكة.

    ومن أشهر وسائل التواصل الاجتماعي: فيس بوك، وتويتر، وانستجرام، وواتس آب. وبإمكان الشخص المشترك فيها وضع ما يشاء من آراء أو تعليقات أو صور أو فيديوهات، ليراها الآخرون في لحظات، وقد يتفاعلون معها متفقين أو مختلفين.

انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي:


    انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي كالنار في الهشيم بين الكبار والصغار، حتى صار للطفل الوليد الذي لم ينطق بكلمة بعد صفحة على "الفيس بوك". وتحولت هذه التقنيات من ساحات للاجتماع والتوحد بين بني البلد الواحد والأمة العربية كلها، إلى وسيلة للاختلاف والتمزق والتشرذم والانتقاص من الآخرين، وانتشر مبدأ "من ليس معنا فهو عدونا"، لنعود إلى زمن القبلية، بكل ما يحمله من مساوئ الجاهلية القائمة على التعصب الأعمى والبغيض.

مخاوف من تأثير وسائل التواصل على اللغات:


    انتشرت مخاوف من تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على لغات العالم، فهناك خشية من أن تقضي على بعضها وتؤدي إلى اندثارها، في حين تحظى أخرى، في مقدمتها الإنجليزية، بانتشار أوسع واكتساب أراضٍ جديدة تتمدد فيها على حساب اللغات القومية لأصحاب هذه الأراضي "وتنتاب الأمم مشاعر الفزع من أن تضع تقنية المعلومات والاتصالات، وعلى رأسها الإنترنت التي تسيطر عليها اللغة الإنجليزية نهاية للألسنة الأخرى، في مخاطر كبرى تواجهها الإنسانية" (عبدالحميد بسيوني: شبكات المعلومات ومصير اللغة العربية، كتاب الهلال، مؤسسة دار الهلال، القاهرة، أغسطس 2015م، ص 104).


أضرار وسائل التواصل على اللغة العربية:


    أصاب اللغة العربية ضرر كبير من وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه الوسائل يستطيع أي شخص أن ينشر ما يشاء من خلالها بحرية تامة، فلا يوجد رئيس تحرير يراجع المحتوى، وليس هناك مصحح لغوي يضبط اللغة، ولذلك تخرج المشاركات مليئة بالأخطاء الأسلوبية والنحوية والصرفية والإملائية.

    وتأتي هذه الأخطاء – أحيانا – من أشخاص، يحمل عنوان صفحة أحدهم "الشاعر أو الأديب فلان"، دون أن يكون قد عرض إنتاجا له على أحد النقاد، ويصبح لهذا الشخص معجبون من أقاربه وأصدقائه، يصفقون له ويشجعونه دائما، دون أن يفهموا أو حتى يقرأوا المكتوب.

    ومع مرور الوقت، يزيد عدد من يدَّعون أنهم شعراء أو أدباء، ويصبح هؤلاء نموذجا ومثلا أعلى لمن يرون في أنفسهم القدرة على الإتيان بمثل ما كتبوا من أدب مزيَّف، فتنتشر اللغة الركيكة والمضمون السطحي الذي لا يحمل بلاغة أو معنى جميلا.


تأثير وسائل التواصل على لغة الكتابة:


    تتضمن وسائل التواصل الاجتماعي برنامج المحادثات الذي أتاح المحاورات بين شخصين أو أكثر، ولأنها يميلون فيها إلى سرعة الكتابة، فإنهم يتخلون عن الفصحى؛ لأنها تحتاج إلى تفكير في ضبط الكلمات.

    ثم انتقلت المحادثات بالعامية إلى ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي من مشاركات. وكانت الطامة عندما لجأ بعض الشباب إلى الكتابة بالحروف الأجنبية بدلا من العربية، لتظهر أمامنا لغة مشوهة خالية من الجمال.

    وفي الكتابة بالعامية يلجأون إلى رسم ما ينطقون دون الالتزام بالقواعد الإملائية، فيحدث تحريف للكلمات، ومن أمثلتها على بعض وسائل التواصل الاجتماعي:


- أحمد تعبان أوي، بدلا من:

أحمد تعبان قوي.

- انهاردة، بدلا من:

النهارده.

- أحمد ذكي، بدلا من:

أحمد زكي (اسما لعلم).

- لا للإسائة، بدلا من:

لا للإساءة.

- مستشفى القصر العيني، بدلا من:

مستشفى قصر العيني.

- إعتذار مرفوض، بدلا من:

اعتذار مرفوض (بهمزة قطع بدلا من ألف الوصل).

- 3 أخرين، بدلا من:

3 آخرين (بالهمزة بدلا من المد).

- كلك زوق، بدلا من:

كلك ذوق.

- إنشاء الله، بدلا من:

إن شاء الله.

- إن لله وإن إليه راجعون، بدلا من: (إنا)، في الآية القرآنية.

انتقال أضرار وسائل التواصل الاجتماعي إلى المثقفين:


    أكثر من يلجأون إلى العامية في الكتابة هم من الشباب الذين يمثلون الغالبية العظمى ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. وقد انتقلت عدوى الكتابة بالعامية إلى بعض المثقفين، دون أن ينتبهوا إلى أنهم قادة الفكر في المجتمع، وأن دورهم أن يرتقوا باللغة، لا أن يشاركوا في الهبوط بمستواها.

    وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحا للعاميات المختلفة المنتشرة في الوطن العربي، فالمصريون ينشرون ويتبادلون الحوار بالعامية المصرية، وكذلك هو الحال عند أهل الخليج وأبناء المغرب العربي.

    وتكاد تكون هذه الكتابات غير مفهومة للآخرين من المنتمين للبلدان الأخرى، فنكون أمام لغات متعددة ليس لها قواعد أو ضوابط، ونفتقد التفاهم بين أبناء الوطن العربي الواحد، وقد يصل الأمر إلى الاختلاف والاشتباك والتناحر الناتج عن سوء الفهم المتبادل.

    ويحدث هذا في الوقت الذي توجد فيه لغة واحدة تجمعنا، لكن يبدو أن هناك من خطط وقاد مسيرة الكتابة بالعامية، ثم سرنا خلفه دون وعي بخطورة ما نفعل، فقد آثرنا السهولة على الحفاظ على لغتنا والاعتزاز بها.

مشكلة استخدام العربية الدارجة في الكتابة:


    يجب أن ننتبه إلى أن "استخدام اللهجات المحلية أو العربية الدارجة في الكتابة والتأليف، يمثل جانبا واحدا من جوانب مشكلة أوسع وأعمق وأخطر تتعلق بصلاحية اللغة العربية كأداة لاستيعاب منجزات الحضارة الحديثة والتعبير عنها. ويدخل في ذلك، ما أثير حول صعوبة استخدام الحروف الهجائية العربية في الكتابة والدعوة إلى استبدال الحروف اللاتينية بها، وهي دعوة تبناها في فترات معينة من تاريخنا المعاصر عدد من كبار المفكرين، كما يدخل فيها الدعوة إلى استخدام اللغات الأجنبية في تدريس بعض العلوم، كالطب أو الهندسة، على زعم أن اللغة العربية بطبيعتها لغة أدب وتفتقر إلى الدقة المطلوبة في العلوم الحديثة ولا تستطيع استيعاب المصطلحات العلمية المستحدثة، وأنها لم تكن لغة للعلم إلا خلال فترة قصيرة نسبيا في العصور الوسطى" (د. أحمد أبو زيد: هوية الثقافة العربية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م، ص 268).

العربية الدارجة وتفتيت الوطن العربي:


    الأشد خطورة في مسألة الميل إلى الكتابة بالعامية هو نجاح الخطط الرامية إلى تقسيم الوطن العربي وتفكيك الروابط القوية بين أقطاره، ومن أهمها اللغة.

    وإذا تحولت عامية كل قطر إلى لغة مستقلة فإن الانقسام يكون سهلا وسريعا، ويحل الاختلاف والتناحر السياسي بدلا من التفاهم، عن طريق إشعال نار الفتن واللعب على وتر الطائفية والاختلاف المذهبي، إضافة إلى انتشار الجهل بصورة كبيرة جدا؛ لأن العامية لن تكون لغة راسخة للتعليم، ولن تكون هناك كتب ومراجع كافية بها، وبهذا تتحول دول الوطن العربي من كيان موحَّد إلى مجموعة من البلدان المفكَّكة التي لا يجمع بينها رابط، فيسهل السيطرة عليها من قبل الدول التي تحاول استغلال ونهب ثرواتها.

    والانجراف وراء تبني العاميات في الكتابة يقودنا في النهاية إلى هدم ما يربط بين العرب، في حين أن اللغة المشتركة "هي العامل الأساسي والعماد الحقيقي لبناء أية منظومة قومية وسياسية" (د. كمال بشر: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، دار غريب، القاهرة، 1999م، ص 266).

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-