أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

الصحف والإعلام الجديد .. تطوير يتخلى عن اللغة العربية

تعاني اللغة العربية من الضعف في الصحف والقنوات الفضائية خلال القرن الحادي والعشرين

الصحف والإعلام الجديد .. تطوير يتخلى عن اللغة العربية

    أهملت وسائل الإعلام اللغة العربية خلال الفترة الأخيرة، إذ لا يحرص كثير من الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية على صحة العبارات والجمل كما كان يحدث في السابق. ونتج عن هذا الاتجاه ظهور أخطاء على مستويات المرئي والمسموع والمكتوب، وهو ما يحتاج إلى مراجعة للعناية بلغتنا التي يجب أن يحرص عليها الكبار ويعلمونها للأطفال أيضا.

الصحف تتخلى عن القواعد القديمة:


    تطورت الصحف بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، ولاكتساب فئة جديدة من الشباب، سعت نحو كسر الشكل التقليدي، واضطرت إلى التخلي إلى التخلي عن القواعد التي درجت عليها، كما أنشأت أبوابا جديدة تخلت فيها عن الفصحى، ثم زحفت العامية إلى المواد الخبرية المنشورة، وذلك عند نقل تصريحات عن بعض الأشخاص، ولم يكن هذا الأمر مسموحا به من قبل.

    وظهر جيل جديد لا يمتلك ناصية اللغة. ولا ينفي هذا أن السابقين جميعهم كان لديهم تمكن في الكتابة. وكان قسم التصحيح هو صمام الأمان الذي يمنع وقوع الأخطاء قبل الطباعة، ومع زيادة أعداد المنتمين غير المتمكين من سلامة الكتابة، ولأن ماكينة الطباعة لا تنتظر، فإن الجرائد عجزت عن تلافي جميع الفلتات.

تسارع وتيرة العمل الصحفي:


    من طبيعة العمل الصحفي أنه عمل سريع يمثل ضغطا على العاملين فيه؛ لأن تدفق الأخبار والتقارير اليومية يأتي في وقت ضيق، وفي معظم الأحيان تشتد وتيرة العمل في الفترة من الواحدة ظهرا حتى الرابعة عصرا، ويقع العبء في هذه الفترة على قسم الديسك المركزي الذي يتولى إعادة صياغة المادة المكتوبة، والدمج بين عدة أخبار عندما يقتضي الأمر ربطها في موضوع واحد، كما يتولى هذا القسم تعديل الأسلوب ليتناسب مع طبيعة الصفحة التي سينشر فيها.

    ويأتي – بعد هذا – دور قسم الإخراج الصحفي الذي يضع تقسيما لتوزيع المادة الصحفية على الماكيت، مع تحديد الأعمدة وأماكن الصور، وبنط الخط الذي تظهر به المادة الصحفية. ثم يأتي دور قسم التصحيح اللغوي الذي يعمل على تصويب الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية والطباعية.

    ويتداخل مع عمل قسمي الديسك المركزي والتصحيح اللغوي ما يقوم به الفنيون من جمع بعض المواد على الحاسب الآلي، وتنفيذ التخطيط الذي وضعه قسم الإخراج الصحفي.

الأخطاء اللغوية وضيق الوقت:


    كانت المهمة تجري في يسر وسهولة خلال السنوات الماضية، لكن مع زيادة الأخطاء اللغوية بصورة كبيرة من قبل الصحفيين الذين يكتبون الأخبار والتقارير الصحفية، فإن قسم الديسك المركزي يكون عاجزا عن ضبط الأسلوب في بعض الموضوعات أحيانا، بسبب ضيق الوقت. والأمر نفسه، مع قسم التصحيح اللغوي الذي يكون مقصرا – أحيانا – في ملاحقة الأخطاء وتلافيها.

    ومن أسباب الأخطاء التي تقع في الصحف والمجلات، أن العناصر العاملة في الديسك المركزي انضم إليها من هو أقل جودة مما كان في العهود السابقة. وهناك عناصر جيدة تمتلك جودة الكتابة الصحفية، لكنها ترفض العمل في هذا القسم؛ بسبب الطبيعة الصعبة وأنه يتطلب الصبر على الضغط الشديد؛ لسوء المادة الصحفية المكتوبة في كثير من الأحيان، وضيق الوقت المطلوب تسليم المادة فيه لتجهيز الصفحات للنشر في أحيان أخرى.

المواقع الصحفية الإلكترونية تتخلى عن اللغة:


    عندما ظهرت المواقع والبوابات الإلكترونية التابعة للصحف، تخلت عن السلامة اللغوية لصالح السبق في النشر، اعتمادا على أنه إن لم أنشر الخبر بسرعة فإن غيري سيحظى بالسبق في النشر. وهكذا، تضيع اللغة في الصراع من أجل سرعة النشر.

    ولم تكتف المواقع الصحفية بالتخلي عن السلامة اللغوية، وإنما تساهلت في تقديم المادة الصحفية بالعامية، بل إن منها ما يفضِّل تقديم عناوين للمواد الصحفية بالعامية، إما ظنا بأنها أقرب إلى القارئ، أو لضعف المحرر الصحفي في اللغة، فليجأ إلى العامية إيثارا للسلامة.

    ويكاد دور المصحح اللغوي يكون غائبا في المواقع الإلكترونية. ولهذا الاتجاه أثر خطير على اللغة يؤدي إلى إضعافها، نتيجة تخلي هذه المواقع عن الأمانة المنوطة بها، وهي الحفاظ عليها وتطويرها والوقوف ضد محاولات إضعافها وهدم بنيانها.

اللغة في الإعلام الإذاعي:


    وإذا انتقلنا إلى الإعلام الإذاعي، فإننا نجده ما زال يقدم أفضل المواد المسموعة بطريقة شيقة. وما زالت الإذاعات الحكومية تحافظ على الأداء الراقي في نشرات الأخبار والفقرات الإخبارية والبرامج التي يغلب على مقدميها التمتع بالثقافة العالية، إذ ما زال اختيار المذيعين يتم باختبارات تراعي انتقاء أفضل العناصر.

    وظهرت منذ سنوات محطات إذاعية خاصة، حاولت أن تكتسب جمهورا جديدا، فاعتمدت على تقديم برامج خفيفة، تخلت فيها عن القواعد القديمة، وفضَّلت العامية على الفصحى في معظم برامجها، إن لم يكن كلها.

    ونادرا ما توجد في خريطة هذه المحطات الإذاعية نشرات إخبارية، وإن وجدت فإنها لا تسلم من الأخطاء اللغوية، بل إن بعض الإذاعات تجرأ فَحَوَّل لغة النشرات الإخبارية من الفصحى إلى العامية لتفادي الأخطاء.

اللغة في التليفزيون:


    وأما التليفزيون الحكومي، فقد تأثر كثيرا بعد ظهور القنوات الفضائية التي اجتذبت الكثير من نجوم التليفزيون الرسمي، فتركوه ضعيفا لا يقوى على منافسة هذه القنوات، وامتلأت مساحات الهواء فيه ببرامج لا تجد من يتابعها، وحاول مقدموها تقليد القنوات الخاصة، فصار ما يقدمونه مسخا مشوها، لا هو قادر على الحفاظ على الإرث المتبع في تليفزيون الدولة، ولا هو مستطيع منافسة برامج القنوات الخاصة. ولم يصمد سوى نشرات الأخبار التي يحرص مذيعوها على الأداء اللغوي الراقي الخالي من الأخطاء.

اللغة في القنوات الفضائية:


    تتمثل الطامة الكبرى في الفضائيات التي رأت التجديد في التخلص من الفصحى بصورة شبه كاملة، واللجوء إلى العامية باعتبارها الأقرب لفهم الجميع، من وجهة نظر القائمين على هذه القنوات، واقتصرت الأولى على النشرات الإخبارية في بعض القنوات.

    ومثلما فعلت المحطات الإذاعية الخاصة، فإن هذه القنوات حولت النشرة من الفصحى إلى العامية من خلال التصرف في بعض الكلمات؛ كإدخال الباء على الفعل كما في العامية، مثل "وبيقول الوزير" بدلا من "يقول الوزير".

    وفي البرامج الحوارية "التوك شو" نجد أن أداء بعض المراسلين ما هو إلا "فصحى مكسَّرة مشوهة" لا تسلم فيها جملة من خطأ لغوي. ويتقعر المراسل – أحيانا – فينطق الكلمات معوجة بدلا وجهها الصحيح.

    ولم يقتصر مقدمو المادة الإعلامية على المذيعين، وإنما انضم إليهم ممثلون ولاعبو كرة وغيرهم، وهؤلاء لا يتوفر لديهم الأداء اللغوي السليم، لهذا اختلط الحابل بالنابل.

    ويعمل الكثير من مقدمي البرامج، وكذلك الضيوف، على حشو كلامهم بكلمات أجنبية حرصا منهم على إظهار التميز والرقي الطبقي، لتختلط العامية بالكلمات الأجنبية، ولا يَغَار هؤلاء الإعلاميون- الذين يمثلون القدوة للجمهور– على اللغة الوطنية والحفاظ عليها.

لغة الأفلام والمسلسلات المدبلجة:


    اتسعت في القنوات الفضائية المساحة المخصصة لبث المسلسلات والأفلام المدبلجة، وكانت هذه المواد تأتي من قبل عن طريق النطق الصوتي بالفصحى، فيتعلم منها الناس الأداء اللغوي السليم، ولكنها اليوم تأتي بلهجات محلية، أحيانا سورية، وأحيانا أخرى مصرية، وفي أحيان ثالثة خليجية، لنصبح أمام إعلاء للعاميات على حساب اللغة العربية الفصحى التي يجب أن توحد شعوب هذه الأمة العربية، بدلا من أن تعمل على تشتيتها.

    والأصل في الإعلام أنه وسيلة لتوعية الجمهور وتعليمهم الأداء اللغوي الصحيح بشكل غير مباشر، عن طريق سماع مادة إعلامية منطوقة بصورة سليمة خالية من الأخطاء اللغوية. لكن القائمين على الإعلام تخلوا عن دورهم وعن القيم الإعلامية المتوارثة وآثروا السهولة على حساب اللغة "ويعتقد معظم الناس أن المأخذ الأساسي على لغة الإذاعة والصحافة هو الترخص في اللغة والتهاون بشأن قواعدها وإملائها، ويشكل هذا الترخص والاضطراب مرضا شبه مزمن" (د. حسام الخطيب: اللغة العربية .. إضاءات عصرية، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1995م، ص 174 و175).

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-