لفتة الوزير "قابيل" في المطعم | لا علاقة للحضارة بإهانة اللغة العربية
من الأمور اللافتة للنظر أن بعض الناس يحاول التخلص من اللغة العربية بكل وسيلة ممكنة، وكأنها عبء على أهلها، يحدث هذا في الأسواق وفي كتابة لافتات المحلات والمتاجر، وهو ما اصطدم به الوزير المصري السابق الدكتور طارق قابيل في أحد المطاعم بالقاهرة، وجعله يستنكر هذه الظاهرة التي رأى أنها لا تدل على الحضارة، وإنما تمثل ابتعادا عن ثقافتنا وأصولنا، وهو ما يحتاج إلى الاهتمام في التدريس من قبل وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي.
لفتة الوزير "قابيل" في المطعم:
رصد وزير التجارة والصناعة السابق الدكتور طارق قابيل واقعة مهمة، عندما أشار إلى دخوله مطعما شهيرا في منطقة القاهرة الجديدة، وأنه فوجئ بالشاب الذي سيتلقى منه الطلبات يسأله عما يريد بالإنجليزية الركيكة، فلم يفهم ما يقول، فطلب منه أن يحدثه بالعربية، فواصل كلامه باللغة نفسها. وقال له الوزير إنه مصري مثله وأنه لا يرى سببا مقنعا لتكون هناك لغة أخرى للتواصل بينهما، لكن الشاب أصر على الاستمرار بالطريقة نفسها، فاضطر "قابيل" لمغادرة المطعم حزينا على هذا الوضع الذي سجله في منشور على صفحته في موقع «الفيس بوك». وأكد الوزير أن مثل هذا السلوك يجعلنا نفقد ثقافتنا لصالح أخرى، وأن ما حدث لا يدل على التحضّر.
إهانة اللغة العربية في المطاعم:
الشباب الذين يعملون في المطعم ليسوا هم أصحاب القرار في الحديث باللغة الإنجليزية بهذه الطريقة والظن أنها وسيلة حضارية، ولكن الظروف الاقتصادية والبحث عن مصدر للرزق هو الذي قادهم إلى هذا العمل لاكتساب مبلغ من المال يعينهم على الحياة ويساعدهم في تكوين أسرة، أو على الأقل يكون هذا العمل خطوة اضطروا إليها انتظارا للحصول على فرصة أفضل في المستقبل.
من الواضح أن صاحب المطعم لم يقع اختياره على شباب يتقنون الإنجليزية، وأعتقد أن السبب في هذا أنه يبحث عن شباب يحصلون على القليل من النقود، أو أنهم يعملون بلا مقابل، في نظير الحصول على ما يجود به الزبائن. وهذا هو ما يحدث في عدد من الأماكن التي تستغل حاجة الشباب إلى المال.
لا علاقة للغة الأجنبية بالرقي الحضاري:
المصريون خاصة، والعرب عامة، لم يسعوا من إلى إهمال اللغة العربية، ولكنهم وجدوا أنفسهم منقادين إلى هذا الاتجاه، فالكثير من الشركات وأماكن العمل تفضل استخدام المصطلحات بالإنجليزية وكأنها مظهر حضاري، وبعضها يفرض اللغة الأجنبية بالكامل في الحديث المتبادل بين العاملين، وكأننا لسنا على أرض، وهذا هو ما عزز التنافس على الالتحاق بمدارس اللغات، ثم الجامعات الأجنبية داخل الوطن؛ لأن سوق العمل لا يرحب باللغة القومية، وهذا شيء غريب من نوعه، ولا يحدث سوى في بلادنا.
اللغة العربية تجد امتهانا من أهلها، تشعر بأنهم لا يرغبون فيها وكأنها عبء عليهم، يظنون أنها هي السبب في تخلفهم، والحقيقة أنها بريئة من هذه التهمة، فلا توجد لغة تعود بالتقدم أو التأخر على قومها، وإنما هم الذين يتخذون خطوات إلى الأمام أو الخلف بأعمالهم.
تعلُّم اللغات وليس الإنجليزية وحدها:
ليس من المنطقي رفض تعلم الإنجليزية، بل إن المطلوب تعلم العديد من اللغات لخدمة «العربية» ونقل الكتب والمواد العلمية والثقافية إليها لإثرائها وزيادة محتواها، ولتكون مواكبة للعصر، وليس دفعها للوراء، وهي لغة ثرية قادرة على تقديم الكلمات والجمل الملائمة للتعبير عن أي مضمون من لغة أخرى، ولا تحتاج من أبنائها سوى احترامها وتقديرها وخدمتها بالطريقة اللائقة بها، بوصفها إحدى اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، ولذلك تحتفل هذه المنظمة الدولية كل عام باليوم العالمي للغة العربية.
العربية لغة القرآن والحضارة:
احترام اللغة العربية واستعادة مهابتها، من الأمور التي تقتضي سرعة إقرار قانون حماية اللغة العربية الذي تقدمت به النائبتان منى عمر وسولاف درويش إلى مجلس النواب المصري، لاستعادة مكانتها واحترامها داخل الوطن، فاللغة جزء من السيادة الوطنية ولا يجوز التخلي عنها؛ لأنه من الممكن أن يؤدي إلى الاختراق وتنفيذ مخططات خارجية.
وليست "العربية" لغة وضيعة أو هينة، فهذه اللغة كرمها الله سبحانه وتعالى عندما اصطفاها لتكون لغة آخر كتبه التي أنزلها إلى أهل الأرض على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن الكريم الذي قال عنه عز وجل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ (سورة يوسف- الآية 2). وهذه اللغة هي التي حملت الحضارة العربية الإسلامية ونشرتها في أنحاء العالم، وبرز بها علماء أفذاذ من أمثال: الرازي والكندي والفارابي وابن الهيثم والبيروني.