أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

كوارث تدوين الأسماء بالإنجليزية .. قراءة في كتاب "العربية بالحروف اللاتينية"

يوجد اختلاف كبير في كتابة الأسماء العربية بالإنجليزية، خاصة في جوازات السفر

كوارث تدوين الأسماء بالإنجليزية .. قراءة في كتاب "العربية بالحروف اللاتينية"


    يمثل تدوين الأسماء العربية بحروف اللغة الإنجليزية مشكلة في الوطن العربي، إذ تتعدد صور كتابتها، وهو ما يتضح في جوازات السفر، حيث تختلف صورة الاسم من واحد إلى آخر، حسب الموظف الذي يدون الاسم، وهو ما يقتضي وضع قاعدة موحدة لهذا الأمر، ويمكن أن يبدأ تعليمها بداية التدريب على أساسيات اللغة وتعلم الحروف الهجائية.

    ويعد كتاب "العربية بالحروف اللاتينية" لصالح القوسي، والصادر مع المجلة العربية "العدد 508 – يناير 2019م- جمادى الأولى 1440هـ"، من الكتب غير التقليدية؛ لأنه ينطلق من الواقع، ويحاول أن يعالج مشكلة يعاني منها الوطن العربي، طارحا رؤية للوصول إلى حل يمنع تكرارها.


كتاب "العربية بالحروف اللاتينية":


    هذا الكتاب بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة، ولا شك أنه من الكتب التي تثير الجدل والنقاش، خاصة أنه يدل على أن صاحبه ذو عقل واعٍ، لا يرضى بإعادة ما كتبه آخرون، وإنما ينظر إلى الأمور نظرة مختلفة، ويحاول أن يصل إلى ما اقتنع به، عن طريق الحجج التي يراها مؤيدة لما يطرحه من آراء. ويأتي هذا بأسلوب يكشف عن تمكن صاحبه من ناصية اللغة العربية، وهو أسلوب علمي واضح، لا استطراد فيه، ويمثل كتابه سياحة في العديد من اللغات، الشرقية منها والغربية، ويكشف عن الاطلاع المتنوع للمؤلف عليها، ومعرفته بها.

كوارث تدوين الأسماء بالإنجليزية:


    يبدأ الكتاب من مشكلة حقيقية في واقعنا المعاصر، هي مشكلة تعدد صور كتابة الأعلام العربية باللغة الأجنبية في الأوراق الرسمية. ويضرب المؤلف مثلا باسم عائلته "القوسي" الذي وجد له عدة صور من خلال جوازات سفر بعض أفرادها وبطاقاتهم الائتمانية، والصور التي ذكرها إحدى عشرة صورة، هي: (Alqawsi) و(Alkawsy) و(Alqousi) و(Alkousi) و (Alqosi) و(Alqusi) و (Alqossi)و(Alkosi) و(Al-kosai) و (Alkussi) و(Al gosy).

   ولا يقتصر هذا التخبط  على اسم عائلة المؤلف، وإنما ينطبق على العديد من الأعلام، ويصل إلى أشهرها في الوطن العربي، وهو اسم "محمد" الذي ذكر المؤلف من صوره: (Muhamad) و(Muhemmad) و(Muhammed) و(Mohammed) و(Mohamad) و(Mohammad).

مشكلة تشابه الأسماء:


    يؤدي تعدد كتابة الأعلام إلى مخاطر أمنية للأشخاص والدول، حيث أوضح المؤلف أنه ينتج عنه وقوع أخطاء تؤثر على ملاحقة المطلوبين أمنيا وهروبهم إلى دول أخرى، وإلحاق الضرر بالأبرياء، وعدم حصول أشخاص على حوالاتهم البنكية، نتيجة انتحال آخرين شخصياتهم، وكل ذلك عن طريق تغيير كتابة الاسم بالحروف اللاتينية.

    ولحل هذه المشكلة، يطرح المؤلف رؤيته التي تقوم على كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، موضحا أن هناك العديد من اللغات التي تستخدم الأبجدية اللاتينية، ومنها أوروبية، مثل: الإنجليزية والبولندية والكرواتية والألبانية والمجرية والإسبانية. وهناك أخرى شرقية تستخدم هذه الأبجدية، منها: التركية والأندونيسية والفلبينية والفيتنامية.


تجارب السابقين في الكتابة باللاتينية:


    ويشير المؤلف إلى المحاولات السابقة لكتابة اللغة العربية بحروف لغات أخرى، ومنها أبجدية عبدالعزيز فهمي عام 1943، وهي خليط من اللاتينية والعربية، وتأتي بعدها محاولة إبراهيم حمودي الملا موسى عام 1956، والتي يصفها "القوسي" بأنها غير دقيقة، ثم خطوة سعيد عقل عام 1961، واستخدم فيها "بعض الحروف اللاتينية بطريقة مختلفة عما هو في الأبجدية الدولية أو استخدام اللغات الأخرى". وآخر السابقين إلى طرح فكرة هذا النوع من الكتابة هو عثمان صبري عام 1964، وقد اقترح أبجديتين، إحداهما لاتينية والأخرى رموز من اختراعه، واصفا العربية الحالية بأنها ساعدت على تفشي الأمية وإعاقة سير العلم والحضارة في هذه البقعة من العالم.

نظام كتاب "العربية بالحروف اللاتينية":


    تعتمد الأبجدية التي وضعها "القوسي" على رسم الحروف حسب النطق، وليس حسب الإملاء العربي، وتتضمن كتابة العلامات الإعرابية بالحروف، ووضع حرف لاتيني لكل صوت عربي، بحيث لا يتغير بحسب موقعه من الكلمة أو الحرف الذي قبله وبعده، ضاربا المثل بتلافيه كتابة (c) بثلاث صور تقابل (السين، والكاف، والشين) في اللغة العربية. وراعى استخدام الحروف المركبة في أضيق الحدود لعدم إطالة الكلمة، كما في كتابة الشين بالحرفين المركبين (ch). واستعان بالحروف التي وضعتها الجمعية الصوتية الدولية (IPA) لاستكمال ما ليس له مقابل في الأبجدية اللاتينية. ومن الحروف التي وضعها: (الهمزة ، ت، ث، د، ذ، ش، ص، ض، ظ، و، حرف المد "ا"، حرف المد "و"، حرف المد "ي"، الفتحة، الضمة، الكسرة).

خطورة اقتراح مؤلف الكتاب:


    المشكلة التي عرضها "القوسي" مشكلة خطيرة، ولكن الاقتراح الذي عرضه لا يحلها، وإنما يزيد تفاقمها؛ لأن رموز الكتابة في أي لغة لا تمثل جميع أصواتها؛ ولو كانت هكذا لاحتجنا إلى عدد كبير من الرموز لتمثيل النبرات والتفخيم والترقيق، واختلاف الصوت حسب ما يجاوره، فنطق النون يختلف في عدة كلمات تبعا للصوت الذي يجاوره، فهو في كلمة "منهج" غير "منطق" التي يتأثر فيها بمجاورة الطاء، وهو من أصوات الإطباق التي تتصف بالتفخيم، كما يختلف عن "مُنبثق" التي يتحول فيها إلى ميم بتأثير مجاورة الباء.

    والأصل في اللغة أنها "منطوقة"، وكما يرى الدكتور محمود فهمي حجازي في كتابه "عِلم اللغة العربية" فإن الكتابة ما هي إلا "محاولة لترجمة الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية".


اقتراح الكتاب مخالف للقواعد العلمية:


    تعد الكتابة بالأبجدية اللاتينية التي وضعها "القوسي" محاولة للاستفادة من الألفبائية الصوتية الدولية التي تمثل وسيلة لترجمة نطق الكلمة بأي لغة عالمية، وهو ما يستخدمه علماء اللغة في كتبهم لتوضيح النطق الصوتي لبعض الكلمات. وهذه الطريقة توضح نطق الكلمات من لغات مختلفة، فمثلا قد يوضح الباحث طريقة نطق كلمة في اليونانية أو الأسبانية أو الصينية "الماندرين"؛ لكي يكون القارئ على بينة بالكلمات المكتوبة أمامه، وحتى لا تكون بالنسبة له كالطلاسم.

    ولو كانت الأبجدية اللاتينية هي الحل لمشكلات الكتابة لتوحدت اللغات الأوروبية المستمدة منها حول طريقة واحدة للكتابة، ولما حدث اختلاف بين الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية، على سبيل المثال.

    ولو كان الحل في الأبجدية الصوتية اللاتينية، لكانت الإنجليزية، وهي اللغة العالمية الأولى الآن، أَوْلى اللغات باتخاذ هذه الأبجدية للتخلص من مشكلات الكتابة.

مشكلة تدوين الأصوات عالميا:


    تعاني كل اللغات من مشكلات في الكتابة، ومنها اللغة الإنجليزية، وقد ذكر الدكتور كمال بشر في كتابه "اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم" أمثلة لكلمات إنجليزية يوجد فيها رموز كتابية دون مقابل منطوق، في أولها مثل (know) أو في وسطها مثل (debt)، وآخرها كما في: (comb)، وعدم نطق أكثر من صوت واحد: (knight) و(psychology)، وتكرار الرمز المكتوب في مقابل صوت منطوق مفرد: (supper) و(coffee). وتأتي الحركات منطوقة – أحيانا - مع عدم وجود رمز مكتوب يعبر عنها، كما في (centre) في الإنجليزية البريطانية، حيث لا يوجد مقابل كتابي للحركة التالية للصوت (t)، وقد تم إثبات رمزها في الكتابة الأمريكية (center).

    والأمثلة التي ذكرها "القوسي" لتعدد كتابة الأعلام العربية بالحروف اللاتينية، لا تعود إلى مشكلة في اللغة نفسها، وإنما مبعثها– في الغالب– من يدون الكلمات، فموظف البنك مثلا، يترجم النطق الصوتي للاسم إلى الأجنبية حسب ما اعتاد عليه في لهجته المحلية.

حل مشكلة التدوين:


    لذلك فإن حل القضية لا يكون في وضع أبجدية لكتابة الكلمات بالحروف اللاتينية، وإنما في قائمة بالأسماء تظهر أمام الموظف من خلال برنامج على الحاسب الآلي، تظهر أمام الموظف، وتجمع بين الكلمة بالحروف العربية ومقابلها الأجنبي، على أن يتم الاتفاق على صورة واحدة للاسم مهما تعددت صور نطقه في اللهجة المحلية، وهو ما يؤيده الدكتور منصور بن محمد الغامدي في بحثه "الألفبائية الصوتية الدولية والحرف الروماني"، مشيرا إلى أهمية "أن تُعامل الأسماء العربية من الناحية الصوتية معاملة أصوات العربية الفصيحة، بغض النظر عن اللهجات العربية المختلفة. فتكتب "محمد" دائما Muhammad، على سبيل المثال، وليس Emhemmed، أو Mhammad. فهذا لا يوحد المعايير بين الدول العربية فحسب، ولكنه أيضا يجعل العربية الفصيحة وليست العامية هي المرجع، فيعزز مكانتها".

تبديل كتابة الأعلام المستقرة:


نتج عن طريقة التدوين الصوتي التي اتبعها "القوسي" تغيير أسماء دول ومدن عربية، رغم استقرارها عالميا، وهو ما يؤدي إلى إيجاد صورة جديدة للكلمة تضاف إلى القديمة، وبهذا تتعدد بدلا من توحيدها كما هو موجود حاليا. ومن أمثلة الدول التي تغيرت في قائمة المؤلف:

- السعودية: Saudi ------------ Essuâuodiyyè

- الأردن: Jordan ----------------- Elêurdun

- الإمارات: Emirates ----------- Elêimarat

- البحرين: Bahrain ------------ Elbeħryn

- تونس: Tunisia ----------------- Tuonis

- مصر: Egypt --------------------- Miŝr

- المغرب: Morocco ---------- Elmeğrib

- اليمن: Yemen Elyemen (وهي الدولة الوحيدة التي يكاد يتطابق فيها الاسم العالمي بالإنجليزية مع الكتابة الصوتية بالأحرف اللاتينية التي اقترحها "القوسي").

ومن أمثلة أسماء المدن التي تغيرت أسماؤها عند "القوسي":

- أبو ظبي: Abu Dhabi ----------------- Ebu żebie

- الإسكندرية: Alexandria ------- Elȇiskenderiyyè

- بغداد: Baghdad ------------------------- Beğdad

- بيروت: Beirut -------------------------  Beyruot

- جدة: Jeddah ------------------------------ Ġeddè

- الخرطوم: Khartoum --------------- Elkhurṫuom

- الدمام: Dammam ------------------ Eddemmam

- الرياض: Riyadh --------------------------- Erriaẑ

- القاهرة: Cairo --------------------------- Elqahirè

- مكة المكرمة: Mecca Mekkè ------ Elmukerrmè

- المنامة: Manama -------------------- Elmenamè


مؤلف الكتاب يخالف أهدافه:


    يذكر "القوسي" في الخاتمة أنه لا يرمي إلى تغيير الأبجدية، حيث قال: "أتمنى ألا يُفهم أن كتابي دعوة إلى إحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، كل ما هنالك هو دعوة صريحة لتوحيد تهجئة كتابة الأسماء بالحروف اللاتينية".

    ولكن ما حدث عند التطبيق، هو أن المؤلف تجاوز هدفه الذي حدده في الخاتمة بدلا من المقدمة، فلم يقتصر على أسماء الأعلام والدول والمدن، وإنما امتد تطبيقه إلى النصوص الشعرية والنثرية، وذلك من خلال ثلاثة نماذج؛ الأول أبيات من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي مطلعها: "سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَياةِ"

    والنص الثاني خطبة تنسب لقس بن ساعدة الإيادي، قبل الإسلام، وبدايتها: "أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا".

    والنص الثالث من مقال لمؤلف الكتاب، يبدأ بقوله: "دائما ما ننصح أبناءنا بعبارة" (ذاكر كي تنجح). لم نقل لهم يوما: ذاكروا واذهبوا للمدرسة كي تتعلموا".

    وتطبيق نظام المؤلف للكتابة اللاتينية، على هذه النصوص الثلاثة، يخالف ما ذكره من أنه لا يهدف إلى الدعوة لإحلال الكتابة اللاتينية محل العربية. وكذلك، فإنه يخرج عما أعلن عنه الكتاب، وهو حل مشكلة كتابة الأعلام العربية في جوازات السفر وأنظمة البنوك وغير ذلك.

    وكان الأولى بالمؤلف أن يقتصر على هدفه، وهو حل مشكلة الأعلام العربية بالحروف اللاتينية، على أن يركز على توحيد هذه الكتابة، والإبقاء على ما صار مستقرا من تدوين بعض الأسماء مثل "محمد" وأسماء الدول والمدن. وعلى "القوسي"- كذلك- أن يراجع نفسه في مسألة الكتابة الصوتية للأعلام؛ لأنها تؤدي إلى تعدد صور الاسم تبعا لنطقه حسب اللهجات، وليس حسب ما استقر في اللغة العربية الفصحى.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-