أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

الحكمة من الصيام وليلة القدر .. رؤية الإمام عبدالحليم محمود






الحكمة من الصيام وليلة القدر .. رؤية الإمام عبدالحليم محمود


نتحدث في هذا المقال عن الحكمة من الصيام، فقد فرض الله عز وجل الصوم، وجعل جزاءه عظيما عنده سبحانه وتعالى، وخص شهر رمضان بأن جعل إحدى لياليه هي ليلة القدر التي تعدل العبادة فيها ألف شهر. وقد تناول الإمام عبدالحليم محمود في كتابه "شهر رمضان" الحكمة من الصوم وليلة القدر.


رؤية الإمام عبدالحليم محمود:


يبدأ الشيخ الدكتور عبدالحليم محمود كتابه "شهر رمضان" بمقدمة تحمل عنوان "في جو التوبة". ورغم أنه لم يذكر علاقة التوبة بشهر رمضان، إلا أننا نشعر أنه يريد أن يوصل إلينا رسالة، هي أن المغزى من شهر رمضان هو شهر التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى للتخلص من الذنوب والآثام التي تثقل كاهل الإنسان.


ويركز المؤلف على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: "أنا نبي التوبة"، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان ملازما للتوبة، يدعو المؤمنين إلى الاستغفار، ضاربا المثل بنفسه، فقد كان يستغفر في اليوم ما يزيد على سبعين مرة.


ويؤكد الدكتور عبدالحليم محمود أن توبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لأجل ذنب أو غفلة منه، وإنما كانت عبادة وعبودية؛ ليكون من عباد الله المكثرين من التوبة، وهي صفة يحبها الله عز وجل الذي قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ (سورة البقرة- الآية ٢٢٢).


ويوضح المؤلف أن التوبة الخالصة تجعل الإنسان طاهرا من الدنس؛ لأنها تؤدي إلى خروج الشيطان من القلب، وهو ما جرى مع النبي صلى الله عليه وسلم في حادث شق الصدر، فما حدث كان استخراجا لحظ الشيطان من قلب الرسول عليه الصلاة والسلام، ليكون صدره طاهرا طهارة كاملة، وهكذا عاش صلى الله عليه وسلم نقيا طاهرا منذ طفولته.

وينبه الدكتور عبدالحليم محمود إلى أن التوبة تقود العبد إلى الرحاب الإلهين حيث تسكن نفسه، ويسلم أمره لله، ويمتلئ قلبه سكينة، ليعبر تعبيرا واضحا عن التوحيد والتوكل على الله والتضرع إليه.


الحكمة من الصيام:


يوضح الدكتور عبدالحليم محمود أن كلمة "الصيام" تعني في اللغة: الكَفّ. ومن هذا المعنى صوم الخيل، وذلك عندما تكف عن السير، ومنه الامتناع عن الكلام، كما حكى القرآن الكريم عن السيدة مريم عليه السلام: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا﴾ (سورة مريم- الآية 26).


ويعني الصيام في الإسلام الكف عن تناول الطعام من طلوع الشمس حتى غروبها، مع حفظ الجوارح عن الآثام.


ويشير المؤلف إلى تعدد الآراء حول الحكمة من الصيام، وذلك على النحو التالي:


  • تحرير الإنسان من العادات التي تتحكم فيه وتجعله عبدا لها، فيجعله الصيام يتمتع بالمرونة.

  • للصيام فائدة طبية، تتمثل في تخليص الجسم من سموم الأغذية.

  • الصيام يجعل الغني يشعر بألم الجوع لدى الفقير.

  • للصيام فائدة كبيرة في تربية الإرادة وتقوية العزيمة.

  • من فوائد الصيام تهذيب النفس وتصفية الروح.

وبعد عرض هذه الآراء، يشير الدكتور عبدالحليم محمود إلى أن البعض له وجه نظر أخرى، هي أن هناك حكمة للصيام لا نعلمها، وهو في ذلك مثل حكمة الصلاة، حيث لا نعلم لماذا نصلي الصبح ركعتين رغم أن هذه الفريضة تكون في وقت النشاط، كما نؤدي صلاة الظهر أربع ركعات، رغم أنها تكون في وقت يكون فيه الإنسان مجهدا.


ويرفض الإمام عبدالحليم محمود هذه النظرة التي ترى أننا لا نعلم حكمة الصيام. ويوضح أنه بالعودة إلى القرآن الكريم، نجد الحكمة الواضحة للصوم، وهي التقوى، حيث كتب الله علينا الصيام، من أجل غاية واضحة، ذكرها الله عز وجل في قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة – الآية 183).


ويتضح أن الغاية المرجوة من الصيام هي التقوى، وهو ما يخرج به الصائم الذي يتعهد نفسه بالفضائل ويبتعد عما حرم الله عز وجل، مثل الزارع الذي يتعهد الأرض بعنايته، فليقي فيها البذر ويتخلص من الحشائش الخبيثة، لتنتج الزرع الذي ينمو ويؤتي أكله.


شهر رمضان وليلة القدر:


خصص الإمام الدكتور عبدالحليم محمود فصلا في كتابه تحت عنوان "شهر رمضان وليلة القدر". ويبدأ بتعريف كلمة "شهر" في اللغة، فيوضح أنها من "الشهرة"، وعندما يقال "شهر فلان سيفه" فإنه يعني أنه أخرجه من غمده ليعترض به من يريد ضربه. كما تدل كلمة "الشهر" على ظهور الهلال.


وأما كلمة "رمضان" فإنها من "الرَّمَض"، وهو شدة حرارة الشمس عندما تقع على الرمل. وقد سمي هذا الشهر بهذا الاسم؛ لأن العرب عندما أطلقت الأسماء على الشهور، كان شهر رمضان قد وافق أيام اشتداد الحرارة، فسمي بهذا الاسم.


وتقع ليلة القدر في شهر رمضان، وهي ليلة لها شأن عظيم، فقد نزل فيها القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنها ليلة مباركة، وهذا هو ما وصفه بها القرآن الكريم، فقد قال عنها الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ (سورة الدخان- الآية 3).


ويشير الدكتور عبدالحليم محمود إلى أن هذه الليلة سميت "ليلة القدر"، أي أنها ليلة الشرف والرفعة. وتكتسب هذه الليلة شرفها ورفعتها من نزول القرآن الكريم فيها على خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


متى ليلة القدر؟:


يبحث الناس دائما عن إجابة للسؤال: متى ليلة القدر؟. وعندما نعود إلى القرآن الكريم لا نجد تحديدا لهذه الليلة. وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددها تحديدا تاما، ولكن أحاديث عليه الصلاة والسلام تضمنت الأيام التي يمكن أن تقع فيها هذه الليلة، وتشير هذه الأحاديث إلى أنها تقع في الليالي الوتر من العشر الأواخر في شهر رمضان.


ورأى بعض الصحابة أنها تقع في السبع الأواخر من الشهر الكريم، وجزم بعضهم بأنها ليلة السابع والعشرين.


وحول ليلة السابع والعشرين، جرت بعض المحاولات اللطيفة، فهناك من ذكر أن سورة القدر تتكون من ثلاثين كلمة، وأن كلمة "هي" الدالة على ليلة القدر، هي الكلمة السابعة والعشرين في السورة. وهناك من أشار إلى أن "ليلة القدر" تتكون من تسعة أحرف، وأنها تكررت ثلاث مرات في السورة الكريمة، وبهذا يكون عدد حروفها في السورة سبعة وعشرون حرفا.


وقد أخفى الله عز وجل ليلة القدر في الليالي، ليحرص المسلم على إحياء ليالي الشهر الكريم، وحتى لا يقتصر على ليلة واحدة ويهمل باقي الليالي.


إحياء ليلة القدر:

ذكرت الأحاديث الشريفة أن هناك أجرا عظيما لمن يحيي ليلة القدر، إذ يغفر الله له ما تقدم من ذنبه. ولذلك على المسلم أن يحرص على إحيائها. ويشير الدكتور عبدالحليم محمود إلى أن من وجد مشقة في طول القيام في هذه الليلة، يمكنه أن يقرأ من القرآن ما ورد فيه كثرة الثواب، ومن أمثلته:


  • آية الكرسي؛ لأنها أفضل آية في كتاب الله عز وجل.

  • أواخر سورة البقرة؛ لما ورد أنه من قرأهما في ليلة كفتاه.

  • سورة "الزلزلة"؛ لأنها تعدل نصف القرآن.

  • سورة "الكافرون"؛ لأنها تعدل ربع القرآن.

  • سورة "الإخلاص"؛ لأنها تعدل ثلث القرآن.

  • سورة "يس"؛ لأنها لما قرئت له.

كما يحيي المسلم ليلة القدر بالاستغفار، وأنواع الذكر الأخرى، مثل: التسبيح والتحميد والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع البُعد عن المعاصي. ويكفي في إحياء الليلة، صلاة العشاء والفجر في جماعة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-