أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

البحث عن الثقافة المصرية وتجديدها وإعادة صياغتها

 

البحث عن الثقافة المصرية وتجديدها وإعادة صياغتها

البحث عن الثقافة المصرية وتجديدها وإعادة صياغتها

"البحث عن الثقافة المصرية" عنوان ورقة بحثية صدرت للمفكر والباحث الدكتور خالد عزب، عن مركز التنمية والدعم والإعلام، يتناول فيها واقع الثقافة المصرية، وما تتعرض له من انكفاء على الذات، ونبه فيها إلى ضرورة إعادة النظر في خصائص الثقافة المصرية خلال الفترة الراهنة، مع العمل على إعادة صياغتها، وتجديد مكوناتها، ومن أبرزها: اللغة العربية، والمكتبة الوطنية، والذاكرة الوطنية، والعلوم الإنسانية والفنون.

واقع الثقافة المصرية:

لكي نعالج مشكلات الثقافة المصرية، ينبغي- في البداية- أن ننظر إلى الواقع الراهن، لكي نضع أيدينا على نقاط الضعف ونبحث عن الحلول، وهو ما تحاول ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" لفت الأنظار إليه، من خلال ما يلي:
  • الثقافة المصرية: يشير الدكتور خالد عزب مؤلف الورقة إلى أن الثقافة المصرية تراجعت خلال الفترة الأخيرة، في الوقت الذي تهتم فيه بلدان أخرى بثقافاتها، لكونها من أهم أدوات القوة الناعمة للدول، وتزحف علينا ثقافات قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين. وإذا كانت مصر قد أهملت ثقافتها، فإن دول الخليج شهدت اهتماما بهذا الجانب، حيث واصلت الكوادر الوطنية فيها ما بدأه المصريون في هذه البلدان.
  • وزارة الثقافة: توضح الورقة أن وزارة الثقافة المصرية تسير حسب ما يراه الوزير المسئول، لكن لا توجد سياسات ثقافية، ولذلك تحققت الطفرة الثقافية في عهد كل من: ثروت عكاشة، وفاروق حسني، في حين لم يحدث تغيير واضح في غير هذين العهدين.
  • الماضي الثقافي: يوضح مؤلف الورقة أن المصريين- في الفترة الراهنة- يتفاخرون بالماضي، لكنهم لا يقدمون شيئا يشاركون به في المنافسة الثقافية الشرسة، ولذلك تراجعت صناعة السينما في مصر. وفي ظل ازدهار السينما في دول عربية أخرى، أثرت القيود الروتينية على التصوير في مصر، وأدت إلى تراجع الإنتاج، وهو ما حدث- أيضا- في مجال نشر الكتب، حيث تراجع في مصر، وازدهر في بلدان أخرى مثل السعودية والمغرب والعراق.

الثقافة المصرية والانكفاء على الذات:

من مشكلات الثقافة المصرية، أن المصريين انغلقوا على أنفسهم، ولذلك لم يعودوا قادرين على إنتاج الثقافة بالصورة التي كان عليها الوضع في السابق، وقد أثر هذا- بصورة واضحة- على حياة الشعب المصري، ويتضح هذا فيما يلي:
  • الانكفاء على الذات: يذكر صاحب ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" أن مصر تعاني من مشكلة الانكفاء على الذات، وهو ما يحجب رؤية ما يقدمه الآخرون من إنجازات، ويحرمنا من إضافة الجديد إلى ما لدينا من خبرات متوارثة. ولذا، لا بد من مراجعة الذات، للتخلص من السلبيات، وأن يكون نقد الشخصية المصرية من خلال الثقافة؛ لأنها المرآة التي نرى من خلالها أنفسنا ونطلع على العالم عن طريقها. ويطالب المؤلف بإنشاء مرصد للثقافة المصرية، يعمل على إصدار تقرير سنوي، نتبين من خلاله موقعنا الثقافي وما يمكن أن نفعله في المستقبل.
  • هدم الثقافة: تشير الورقة البحثية إلى أن الأفراد يتميزون من خلال الثقافة التي يكتسبونها من الأسرة والدراسة والمجتمع، وهو ما يتجلى فيما يتبناه الفرد من قيم وسلوك. وهذه المنظومة هي التي تحفظ تماسك المجتمع وتجعله قادرا على تجاوز الصعاب، لكن هذا الجانب أثرت عليه معاول الهدم خلال العقود الأخيرة، ولذلك سيطرت ثقافة "الفهلوة" والبحث عن الثراء السريع، وقد نتج هذا عن انتشار سينما المقاولات التي بدأت في السبعينيات من القرن العشرين، وانتقل تأثيرها إلى المسلسلات، وظهرت سلبيات هذا الاتجاه من خلال ارتفاع النزعة الفردية على حساب تماسك الأسرة، ومن مظاهرها زيادة حالات الطلاق، والعزوف عن الزواج، والهجرة إلى الخارج.
  • تصدير الثقافة: يوضح مؤلف الورقة أن الثقافة مصدر من مصادر الدخل في الدولة، وأن هناك خطأ في تصور أنها عبء على الموازنة العامة، فتصدير منتجات الحرف التقليدية يأتي بالأموال من الخارج، وكذلك ترجمة الكتب، إضافة إلى أن تصدير الثقافة يعد رافدا من روافد صناعة القوة الناعمة يؤدي إلى زيادة الصادرات من المنتجات الأخرى غير الثقافية.
  • الإشباع الثقافي: ينبه المؤلف إلى أهمية تحقيق الإشباع الثقافي والفكري للمواطن، وهو ما يجعله متسلحا بالوعي عند الغوص في المصادر الرقمية المختلفة، ويحميه من الخضوع للأهداف المغرضة، ويدخل هذا في إطار "الأمن الثقافي". ولا تقتصر هذه المهمة على وزارة الثقافة، وإنما تحتاج إلى تضافر عدة وزارات، منها: التربية والتعليم والتعليم العالي والخارجية، ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره المؤلف وزارة الشباب والرياضة؛ لاتصالها الوثيق بالنشء والشباب من خلال المراكز المنتشرة في جميع أنحاء الوطن. ويجري التخطيط الثقافي من خلال وضع "الاستراتيجية الوطنية للثقافة" بالمشاركة مع الجمعيات والمبدعين والشخصيات العامة.

إعادة صياغة الثقافة المصرية:

يدعو الدكتور خالد عزب مؤلف الورقة إلى إعادة صياغة الثقافة المصرية، عن طريق مراجعة الأفكار والقيم والفنون والموروثات على مدار الفترات التاريخية المختلفة. ويشير إلى أهمية التفكير في طريقة تعامل وزارة التضامن الاجتماعي مع الجمعيات العلمية المصرية، إذ ينبغي عدم النظر إليها كما يجري النظر إلى الجمعيات الاجتماعية التي تقدم المساعدات للمواطنين، ولذلك لا بد من تغيير القوانين التي تحول دون أداء الجمعيات العلمية لدورها في المجتمع، وأن تنتقل تبعية هذه الجمعيات إلى وزارة الثقافة. ويقع على هذه الجمعيات عبء تجديد الآليات والمناهج التي تعمل بها، حتى تكون ذات فائدة للمجتمع.

الثقافة المصرية واللغة العربية:

تنتقل ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" إلى الحديث عن اللغة العربية، لتوضح أن أي لغة هي رمز المجتمع والمعبرة عن هويته، وأنها تعمل على تقوية الانتماء للوطن. ويركز الدكتور خالد عزب مؤلف الورقة على عدة نقاط في هذا الجانب:
  • إهمال اللغة: تعرُّض اللغة الوطنية للإهمال وغياب الاحترام في الخطابات الرسمية ووسائل الإعلام، ينتج عنه خلل في الشخصية الوطنية، يظهر في شيوع كلمات أجنبية على الألسنة بدلا من كلمات عربية مستقرة. ومن أخطر ما تتعرض له اللغة العربية ما يفعله بعض الشباب من الكتابة بالحروف اللاتينية التي تختلط فيها الكلمات العربية مع الكلمات الإنجليزية، في دليل واضح على الاستلاب.
  • مجمع اللغة العربية: ينادي المؤلف بنقل تبعية مجمع اللغة العربية إلى وزارة الثقافة بدلا من وزارة التربية والتعليم؛ لإخراجه من غفوته، مع وضع إنتاجه في صورة رقمية، وأن يتفاعل المجمع من مستخدمي اللغة، ويعمل على إعداد شهادة معتمدة في اللغة العربية؛ لتلبية حاجات الراغبين في تعلمها، سواء في الداخل أو الخارج، من خلال مناهج قوية.
  • تعليم اللغة: مشكلة تعليم اللغة العربية أنها تقوم على التلقين ولا تركز على التذوق وإبراز جماليات اللغة. وأدى عدم الاهتمام بلغتنا في سوق العمل إلى الانصراف عنها، خاصة بعد إيقاف تعيين أوائل الخريجين المتخصصين فيها، إضافة إلى عدم وجود برامج كارتون جذابة تُنمِّي اللغة الوطنية لدى الأطفال، كما أن غياب حصص الخط العربي أدى إلى عدم الاهتمام بهذه اللغة.

الثقافة المصرية والمكتبة الوطنية:

تعرض الدكتور خالد عزب في ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" إلى المكتبة الوطنية، مشيرا إلى أنه رغم أن دار الكتب المصرية هي أقدم مكتبة وطنية في المنطقة العربية، إلا أن هناك مكتبات أخرى تقدمت عليها، مثل المكتبة الوطنية المغربية ومكتبة الملك فهد في المملكة العربية السعودية، ولذلك لا بد من قانون جديد ينظم عمل دار الكتب المصرية لتصبح مؤسسة مستقلة تواكب متطلبات العصر. كما تحتاج مصر إلى زيادة عدد المكتبات العامة، لتشمل جميع المناطق في أنحاء الجمهورية، وهو ما يؤدي إلى ازدهار حركة نشر الكتب، واحتضان الأنشطة الثقافية والفنية. ويرتبط بهذا الجانب، قضية أخرى هي الاهتمام بصناعة نشر الكتب التي شهدت تراجعا في الفترة الأخيرة.

الثقافة المصرية والذاكرة الوطنية:

تطرقت ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" إلى الذاكرة الوطنية، من خلال ما يلي:
  • دار الوثائق: تنبه الورقة إلى أهمية الإسراع بإصدار قانون دار الوثائق المصرية التي ما زالت تابعة لدار الكتب، بحيث تؤول إليها الأوراق التي تملكها العديد من الجهات، وأن تتاح للباحثين والمؤرخين الوثائق التي مرت عليها فترة محددة، بدلا من اللجوء إلى أرشيفات أجنبية تتضمن وثائقها وجهات نظر معادية.
  • التاريخ الوطني: يجب الاهتمام بالتاريخ الوطني، بإخضاع الأحداث التاريخية للتحليل والنقد، بدلا من الكتابة حسب الأهواء السياسية. وينبغي الاهتمام بأقسام التاريخ في الجامعات المصرية، وأن تكون هناك مواد دراسية هدفها إعداد المؤرخين، وأن تكون هناك تفرقة بين كتابة التاريخ لكل من: الجمهور، وطلاب المدارس، والجانب الأكاديمي.
  • علم المصريات: يختص هذا العلم بدراسة مصر منذ فترة ما قبل التاريخ إلى نهاية العصر البطلمي، والوضع الطبيعي أن تكون مصر هي الدولة الأولى في دراسة هذا العلم، لكن الواقع يشير إلى أنها تأتي في مرتبة متأخرة، في حين تسبقها دول أخرى في هذا المجال، مثل: فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبولندا والصين، ولذلك لا بد أن نبذل جهودا في إعداد الشباب المصريين للعناية بهذا العلم، مع إنشاء موسوعة رقمية وورقية تعنى بالتاريخ الوطني؛ لتكون نواة لموسوعات أخرى متخصصة في العصور التاريخية المصرية.

الثقافة المصرية والعلوم الإنسانية والفنون:

يشير الدكتور خالد عزب إلى ضرورة الاهتمام بكل من العلوم الإنسانية والفنون، من خلال ما يلي:
  • العلوم الإنسانية: توضح ورقة "البحث عن الثقافة المصرية" أهمية اشتباك العلوم الإنسانية مع الوضع الراهن، بحيث لا تكون بعيدة عن المشكلات التي نعاني منها اليوم، خاصة مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى تدمير العلاقات بين المصريين، وأحدثت تغييرا في الشخصية المصرية.
  • الفنون: رغم أن السينما المصرية بدأت منذ وقت مبكر، مع بدايات هذا الفن في العالم، إلا أنها شهدت تراجعا في العقود الأخيرة بعد ظهور سينما المقاولات، ولا توجد سوى أعمال قليلة من النوع الجيد، وهو ما يحتاج إلى مراجعة، خاصة إذا قارنا ما نحن عليه بالسينما التركية والسينما الهندية في الوقت الراهن. ولذلك لا بد من دفع هذه الصناعة، بالعمل على تطوير المناهج في أكاديمية الفنون، إضافة إلى أن يكون صندوق التنمية الثقافية ضامنا للمنتجين لدى البنوك، وبالتالي يمثل الإنتاج الجيد إضافة مهمة للاقتصاد الوطني. كما يجب الاهتمام بالأفلام العلمية والوثائقية والثقافية.
  • المسرح: يطالب الدكتور خالد عزب مؤلف الورقة بتجديد المسرح، بداية من المسرح المدرسي، مرورا بمسرح الجامعة، ورعاية فرق الهواة بدلا من تعيين الفنانين، إضافة إلى تشجيع الكتابة المسرحية. كما يدعو المؤلف إلى الاهتمام بالحرف التقليدية ووضع خطط لتصدير منتجاتها. كما يجب الاهتمام بالمطبخ المصري بوصفه جزءًا من الثقافة الوطنية. وينبغي- أيضا- الاهتمام بالمراكز الثقافية، ونقل تبعيتها من وزارة التعليم العالي إلى وزارة الخارجية، لوضع سياسات وأنشطة بالتعاون مع وزارة الثقافة، لتفعيل دور مصر الثقافي في الخارج.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-