أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

معلم اللغة العربية .. فاقد الشيء لا يعطيه

 

معلم اللغة العربية له دور مهم في إتقان الطلاب اللغة الأم

معلم اللغة العربية .. فاقد الشيء لا يعطيه


    معلم اللغة العربية له دور كبير في مراحل التعليم المختلفة، إذ تقع عليه مهمة تقديم دروس اللغة العربية التي تمثل اللغة القومية، وهذه اللغة هي التي تحمل هوية المجتمع وتاريخه وتراثه، وتعبر عن كيانه. ورغم كل هذا، فإن الوطن العربي يعاني من مشكلة كبيرة في تعليم اللغة العربية، ولو تأملنا جيدا لوجدنا أن أساس المشكلة هو المعلم، فإذا كان المعلم على درجة كبيرة من الإتقان فإن النتيجة تكون جيدة، وأما إن كان غير متمكن من مادته فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

إصلاح حال المعلم:


    المعلم عنصر من عناصر المجتمع له احتياجات ومطالب مادية، وكثير من المعلمين يتولى أمر أسرة تحتاج إلى مأكل ومشرب وملبس وبعض وسائل الترفيه. وما زالت مرتبات المعلمين ضعيفة، ولم تفلح محاولات إصلاحها في الوصول إلى الحد الذي يفي باحتياجاتهم؛ لذلك لجأوا إلى الدروس الخصوصية للحصول على دخل إضافي يضمن حياة مستقرة.

    لا توجد مشكلة في ممارسة المعلم الدروس الخصوصية خارج أوقات اليوم المدرسي، لكن المشكلة أنها صارت هي الأساس، وتحول العطاء في الفصل إلى الهامش، بل إن كثيرا من المعلمين يتعمدون التقصير في الشرح لإجبار التلاميذ على اللجوء إلى الدروس الخصوصية، ولا يكون لدى الطالب حرية الاختيار بين المدرسين لانتقاء الأفضل، وإنما يكون مجبرا على اختيار مدرس الفصل؛ لأنه يملك منح درجات أعمال السنة.

فاقد الشيء لا يعطيه:


    إذا انتقلنا من شح المادة العلمية المقدمة للطلاب في الفصل المدرسي، نجد أن كثيرا من معلمي اللغة العربية– على وجه التحديد – يتحدثون بالعامية في الفصل، ولا يملكون مهارة النطق باللغة العربية الفصحى، وبالتالي لا يستطيعون نقلها إلى طلابهم، فهم عاجزون عن هذا؛ لأن "فاقد الشيء لا يعطيه".

    كثير من معلمي اللغة العربية التحقوا بهذا التخصص في الجامعات عن طريق المصادفة التي قادهم إليها مجموع الدرجات في شهادة إتمام الدراسة الثانوية، ولم يخضعوا لاختبارات قبل الالتحاق بالكليات والأقسام المتخصصة في اللغة العربية. وهناك الكثير ممن يدخلون الجامعة ويخرجون منها بعد أربعة أعوام من الدراسة، وكما دخلوا خرجوا، لا يحضرون المحاضرات، ولا يتلقون العلم على أيدي الأساتذة الكبار، ولا يخضعون للتدريب اللغوي، ويكتفون بلقاء الأصحاب والزملاء وحضور الاختبارات.

إعداد معلم اللغة العربية في الجامعات:


    تتمثل المشكلة في عدم إعداد المعلم في كليات وأقسام اللغة العربية بالجامعات، فالدراسة نظرية لا تشمل التدريب والاهتمام بإعداد خريج متقن لقواعد اللغة وقادر على نقل المهارة اللغوية إلى طلاب المدارس عند تخرجه.

    ويتعامل أساتذة الجامعة مع الطالب الذي جاء إليهم من المرحلة الثانوية باعتباره متقنا للغة العربية ما دام قد تخصص فيها، دون أن يضعوا في اعتبارهم أن كثيرا منهم التحقوا بكليات وأقسام اللغة العربية مجبرين، وأنهم جاءوا إليها بعد أن قذف بهم مكتب تنسيق الجامعات بعيدا عن الكليات والأقسام التي كانوا يرغبون في الالتحاق بها؛ لعدم كفاية مجموع درجاتهم للالتحاق بهذه الكليات والأقسام، ويكون آخر ما يخطر ببالهم أن يلتحقوا بكلية أو قسم متخصص في اللغة العربية.

مشكلة التخصص في اللغة العربية:


    عندما يلتحق هؤلاء الطلاب بتخصص اللغة العربية لا يجدون من يدفعهم إلى حبه أو على الأقل يرضون به، فالدراسة عبارة عن نظريات لم يكن لهم عهد بها، وأما محاولة ترسيخ اللغة في أذهانهم فهي بعيدة عن هذه الكليات والأقسام، ويلتحق الطالب بقسم "العربية" مضطرا لعدم كفاية مجموعه للالتحاق بشعبة أخرى، ولذلك يخرج مزودا بمعلومات ضئيلة، حيث "تؤدي نظم الامتحانات الحالية، بما فيها من التعويض والجبر، ولجان الرأفة، والنقل بمواد، وغير ذلك، إلى أن يتخرج هذا الطالب الأعرج، لينشر الجهل" (د. رمضان عبدالتواب: فصول في فقه العربية، الطبعة السادسة، مكتبة الخانجي، 1420 هـ - 1999م، ص 418).


معلم اللغة العربية في المدارس الخاصة:


    يضاف إلى هذه الطامة، أن بعض المدارس الخاصة لا تراعي في معلم الفصل أو اللغة العربية الحصول على مؤهل في التخصص، خاصة في المدارس التي تمنح المعلمين رواتب ضئيلة، اعتمادا على أنهم يزيدون دخلهم من الدروس الخصوصية، وبهذا يساهم هذا النوع من المدارس في إفساد التعليم بدلا من إصلاحه.

    ولا يخضع المعلم في هذه المدارس لدورات تدريبية تؤدي إلى تحسين مستواه، فكل ما يشغل أصحابها هو تحصيل الرسوم السنوية الباهظة من الطلاب، دون النظر إلى القيام بالدور المنوط بها في تقديم مستوى تعليمي متميز.

خطورة المعلم غير المؤهل:


    الاعتماد على معلم غير مؤهل من الناحيتين التربوية والعلمية له آثار خطيرة على الطلاب؛ لأن هذا المعلم ينقل إليهم المعلومات بطريقة خاطئة، وقد تكون هذه المعلومات مغلوطة أيضا، فيزيد الطين بلة، ويتسبب في البناء العلمي الهزيل لهم، بدلا من الأخذ بأيديهم في طريق التقدم العلمي والتكوين الثقافي المتين "ولا يغيب عن بال أحد، أنه لا خير في مقرر أو منهج أو مادة، ما لم يكن المعلم (مايسترو العملية التعليمية) على درجة عالية من استيعاب مادته وسيطرته عليها، وما لم يكن حاذقا لفنون التربية وأساليب توصيل هذه المادة إلى طلابه في سهولة ووضوح" (د. كمال بشر: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، دار غريب، القاهرة، 1999م، ص 292).


إعداد معلم اللغة العربية:


    يمكن إصلاح الخلل في إعداد معلم اللغة العربية، بأن تعمل وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي على عقد دورات منتظمة لإصلاح حال المعلم في اللغة العربية، ولإدراك ما فاته، وتصويب ما يقع فيه من أخطاء، على أن يشارك في هذه الدورات خبراء التعليم المتمكنين من اللغة العربية، إضافة إلى أساتذة من كليات وأقسام اللغة العربية تكون مهمتهم إصلاح الخلل وتدريب المعلمين، وليس تقديم محاضرات نظرية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تصلح ما فسد.

    ومن الضروري أن تنتبه وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي إلى الاهتمام بإعداد معلمي اللغة العربية في المرحلة الابتدائية على أعلى مستوى؛ لأنهم الأساس في تعليم اللغة للأطفال، وما يتعلمه هؤلاء الناشئة في بداية حياتهم التعليمية هو ما يرسخ في أذهانهم سنوات طويلة، سواء كان صوابا أو خطأ، فهذا الوعاء يتشكل بحسب ما يوضع فيه.

معلم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية:


    طالب العالم اللغوي الدكتور رمضان عبدالتواب وزارات التربية والتعليم بأن تدرك ضرورة "وضع خيرة المعلمين في هذه المرحلة"، لدورهم الكبير في البناء التربوي السليم للطفولة.

    ونبه "عبدالتواب" إلى مسألة مهمة هي أننا ننظر إلى التعليم الابتدائي نظرة دونية، وهو ما نتج عنه "أننا أصبحنا نقيس مقدار المعلم، بعمر الطفل الذي يتولى تربيته وتعليمه، صعودا وهبوطا، فمعلم الإعدادي أكثر احتراما من معلم الابتدائي، وأقل مركزا من مدرس المدارس الثانوية .. وهي فكرة ساذجة، مدمرة لنفس هذا المعلم، الذي وضعنا بين يديه هذه العجينة اللينة، طفل اليوم، ورجل المستقبل؛ ليجعل منه مواطنا صالحا، أو شيطانا ماردا".

    وأوضح "عبدالتواب" طريقة تعامل الدول المتقدمة مع معلم المرحلة الابتدائية، فيقول: "إن الدول المتحضرة ترعى هذا المعلم، وتعدُّه حجر الأساس في العملية التربوية كلها، وتختاره من أكفأ المدرسين في المراحل الأخرى، وتغدق عليه المال وتكرمه؛ ليعيش في حالة استقرار وقناعة. ومعظم معلمي المرحلة الأولى، في كثير من الدول المتحضرة، يحملون أرقى شهادات علم النفس والتربية، لكي يتسنى لهم فهم تلك البراعم الصغيرة، فيلقنوهم العلم، وهم قريبون إليهم، يلتصقون بهم، ويلعبون معهم" (فصول في فقه العربية: ص 419).

    ويضاف إلى ما ذكره الدكتور رمضان "عبدالتواب"، أنه يجب أن تتغير النظرة إلى معلم اللغة العربية، وأن تكف وسائل الإعلام والمسلسلات والأفلام عن إظهاره في صورة مزرية تجلب له الاحتقار والهوان بين فئات المجتمع، فهذه الصورة الحقيرة تؤدي إلى عدم احترامه من قبل التلاميذ، فتضعف الثقة بينه وبينهم.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-