أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

مناهج اللغة العربية .. غياب التدريب واكتساب المهارات

تحتاج مناهج اللغة العربية إلى تطوير دائم للتخلص من عادة التلقين في تدريسها

مناهج اللغة العربية .. غياب التدريب واكتساب المهارات


    الشعور الذي ينتاب الطلاب عند دراسة مناهج اللغة العربية في المدارس، هو أنها مادة صعبة، خاصة عندما يصطدمون بقواعد النحو التي تقدم إليهم بطريقة فيها جفاف، لذلك لا يجدون أمامهم سوى الحفظ، ونسيان المادة بعد أداء الاختبارات، وخروجها من عقلهم الباطن.

    ولذلك نحتاج إلى تطوير العملية التعليمية، منذ مرحلة الطفولة، إذ لا بد من العناية بكتب تعليم اللغة العربية للأطفال، وأن نهتم بالتدريب واكتساب المهارات لدى التلاميذ، حتى يكونوا قادرين على النطق والكتابة بصورة صحيحة، وأن نعمل على التدريب المستمر للمعلمين من أجل هذا الغرض.

انقسام مناهج اللغة العربية إلى فروع:


    من مشكلات مناهج العربية أنها تفكك اللغة إلى فروع منفصلة دون إحداث ترابط بينها، ما يجعل الطالب مثقلا بالمعلومات. ويبدأ تعليم اللغة منذ الصغر، وينسى واضعو المنهج أن الهدف من اللغة هو إكساب الطالب مهارة النطق والكتابة باللغة، وليس استظهار المعلومات التي يمكنه تحصيلها من الكتب العامة والصحف والمواقع الإلكترونية.

    تُقدم قواعد النحو للطلاب منفصلة عن القراءة والنصوص الأدبية، ولا يتم تطبيق القواعد النحوية عليها، فلا تثبت في أذهان الطلاب من خلال الاستخدام العملي الموجود في المادة القرائية والنصوص الأدبية.


صعوبة اللغة العربية في المرحلة الثانوية:


    حين ينتقل الطالب إلى المرحلة الثانوية يصطدم بالمستوى الصعب للغة، عندما يجد أمامه الأدب الجاهلي الذي يبعد عن اللغة المستخدمة في العصر الراهن. فالوضع الدراسي مقلوب في هذه المرحلة، إذ ينتهي بالأدب الحديث بدلا من يبدأ به، وهو ما يصيب الطالب بالتشتت، بسبب دراسته عددا من فروع اللغة العربية، المنفصلة عن بعضها في مجموعة من الكتب، وكأنه لا رابط بينها.

    تدرس مواد النحو والقراءة والنصوص الأدبية وتاريخ الأدب والبلاغة في المرحلة الثانوية، وكل فرع منها يأتي مستقلا. ويمكن الاستغناء عن "تاريخ الأدب"، أو وضع بعض دروسه ضمن مادة "القراءة"، وأن تستنبط القاعدة النحوية من "النصوص". وكذلك، يجب أن يكون الحال مع القواعد البلاغية، إذ يمكن دراستها من خلال الشعر والنثر، دون أن تكون مادة مستقلة، لا تثبت في أذهان الطلاب.

غياب التدريب واكتساب المهارات في المدارس:


    الواقع أن تعليم اللغة في المدارس يدور في دائرة مفرغة، يخرج منها الطالب بعد السنوات التي قضاها خالي الوفاض، لا ينطق كلمة نطقا صحيحا، ولا تستقيم له جملة مكتوبة، لأنه لا يحصل على ما يمكنه من "الملكة اللغوية"، وذلك لغياب التمرين المستمر على مهارات اللغة دون تلقين.

    يجب أن نتخلص مما درجنا عليه في التعليم من التركيز على القواعد والمعلومات العامة عن اللغة والأدب، وأن نعمل على تدريب الطلاب على النطق والكتابة بصورة صحيحة، ولو لم نخرج من تدريس اللغة العربية سوى بهذا الهدف فإننا نكون قد حققنا إنجازا عظيما؛ لأن النتيجة هي أن يتمكن الطلاب من قراءة أي نص يصادفونه قراءة سليمة، وفهم ما يقصده المؤلف من معانٍ ودلالات قد تخفى على القارئ إذا لم يكن مدركا للصيغ الصرفية والنحوية وإعرابها، مثل: اسم الفاعل واسم المفعول واسم كان وأخواته وخبرها واسم إن وأخواتها وخبرها.

    ويجب أن يراعي واضعو المناهج البُعد عن مسائل نحوية تضر بالعملية التعليمية أكثر مما تفيد، مثل الإعراب التقديري، إذ ينبغي أن يكون الهدف هو السلامة اللغوية وليس حفظ قواعد لا تثبت في أذهان الطلاب.


القواعد لا تكفي وحدها لتعليم اللغة:


    قواعد اللغة وحدها غير كافية لتعلم اللغة، فهي مثل قواعد المرور ضرورية لقائد السيارة لضمان السير السليم وعدم الاصطدام بالسيارات الأخرى ووقوع الحوادث، ولكنها لا تعلم الشخص قيادة السيارة، وإنما تضبط له الطريق.

    وينبغي أن ينتبه واضعو المناهج إلى أن "النحو أشبه بقوائم البيت وقواعده، ولا خير في الانصراف إلى هذه القواعد والقوائم، دون الاهتمام بالبناء كله، من مادة وأبعاد وإدراك لجوانبه ووظائفها مجتمعة، حتى نظفر في النهاية ببناء متكامل، يأوي إليه الناس للراحة والمتعة" (د. كمال بشر: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، دار غريب، القاهرة، 1999م، ص 281).

متعة تعليم اللغة العربية:


    المتعة هي ما نرجو الوصول إليه في تعليم اللغة العربية، ويتحقق هذا بالتخلص من طريقة تدريس القواعد النحوية والصرفية والإملائية والبلاغية القائمة على التلقين والحشو، وأن تستبدل بوسائل أخرى تنقل الدراسة من الجمود إلى الشعور بالسعادة، وذلك عندم يرى الطلاب اللغة حية بين أيديهم، ويلمسون أنها سهلة طيعة على ألسنتهم وفي كتاباتهم، ويكون هذا باستنباط القواعد من النصوص المقروءة وليس العكس، فترسخ في أذهان الطلاب؛ لشعورهم بالسعادة لوصولهم إلى القواعد بأنفسهم.

    وتزداد هذه السعادة عندما يطبق الطلاب القواعد، عن طريق تمثيل بعض مقاطع من النصوص، وبينها روايات رائعة من الأدب الحديث مثل أعمال نجيب محفوظ، أو مسرحيات عربية مما قدمه – مثلا – توفيق الحكيم أو مسرحيات عالمية مثل أعمال شكسبير، ساعتها تتحقق المتعة ويشرب الطلاب اللغة مثل الماء الزلال. وتصبح اللغة راسخة قوية في وجدانهم لا تمحوها آثار الزمن، ما داموا يقرأون ويكتبون بها. وتتحول حصص اللغة العربية إلى فرصة لاكتشاف المواهب الأدبية وصقل هذه المواهب، بدلا من ضياعها في عالم القواعد والنصوص الجافة التي تثير كراهية اللغة بدلا من الميل إليها.


تعلم اللغة بطريقة غير مباشرة:


    تعلم اللغة بطريقة غير مباشرة تراعي المتعة يؤتي آثاره في أقرب وقت، بأن تصبح اللغة سليقة على ألسنة الطلاب، يعرفونها جيدا دون أن يحفظوا مصطلحاتها حفظا أعمى من أجل الامتحانات. وخير وسيلة لتعليم الطلاب هي تعليمها الفطري القائم على مهارات الاستماع والنطق والقراءة والكتابة.

    ويُشبِّه الدكتور كمال بشر تعليم اللغة للطفل بتعليم الصبي الحرفة في الورشة، فهذا الصبي "يجيد هذه الحرفة دون الاعتماد على قوانينها أو ضوابطها فحسب، ولا بتعلمها منفصلة عن الأداء العملي كله. إنه في البدء يشاهد "الأسطى" ويجرِّب، ويستمر بالتكرار على هذا النهج حتى "يشرب" صنعته أو حرفته بكل تفاصيلها وأسرارها وقواعدها ... ... ...نجح "صبيان الورش" والصنائع في عملهم، وفشل طلاب المدارس والجامعات في اكتساب اللغة؛ لفقدان عناصر الاكتساب الصحيح لها جملة وتفصيلا، فكانت الشكوى التي انصبت خطأ وتركزت على "النحو" المظلوم الذي ظنوه العقبة الكأداء في اكتساب اللغة، وهم في ذلك التصور واهمون" (اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم: ص 282).

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-